الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1259 وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهرا ، ولا تصلى عند طلوع الشمس ولا غروبها ويرفع يديه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا أيضا مما استدل به البخاري على إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة .

                                                                                                                                                                                  هذه ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                  الأولى أن عبد الله بن عمر كان لا يصلي على الجنازة إلا بطهارة ، وقال ابن بطال : كان غرض البخاري بهذا الرد على الشعبي فإنه أجاز الصلاة على الجنازة بغير طهارة ، قال : لأنه دعاء ليس فيها ركوع ولا سجود قال : والفقهاء مجمعون من السلف والخلف على خلاف قوله انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : وقال به أيضا محمد بن جرير الطبري والشيعة ، وقال أبو عمر : قال ابن علية : الصلاة على الميت استغفار والاستغفار يجوز بغير وضوء ، وأوصل هذا التعليق مالك في الموطأ عن نافع بلفظ أن ابن عمر كان يقول : لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر ، وأما إطلاق الطهارة فيتناول الوضوء والتيمم . وقال أبو حنيفة : يجوز التيمم للجنازة مع وجود الماء إذا خاف فوتها بالوضوء وكان الولي غيره ، وحكاه ابن المنذر أيضا عن الزهري وعطاء وسالم والنخعي وعكرمة ، وسعد بن إبراهيم ويحيى الأنصاري وربيعة والليث والأوزاعي والثوري ، وإسحاق وابن وهب ، وهي رواية عن أحمد .

                                                                                                                                                                                  وروى ابن عدي ، عن ابن عباس مرفوعا " إذا فجأتك جنازة وأنت على غير وضوء فتيمم " ورواه ابن أبي شيبة عنه موقوفا ، وحكاه أيضا عن الحكم والحسن ، وقال مالك والشافعي وأبو ثور : لا يتيمم . وقال ابن حبيب : الأمر فيه واسع . ونقل ابن التين عن ابن وهب أنه يتيمم إذا خرج طاهرا فأحدث ، وإن خرج معها على غير طهارة لم يتيمم .

                                                                                                                                                                                  المسألة الثانية أن عبد الله بن عمر ما كان يصلي على الجنازة عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ; لما روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن أنيس بن أبي يحيى ، عن أبيه أن جنازة وضعت فقام ابن عمر قائما فقال : أين ولي هذه الجنازة ليصل عليها قبل أن يطلع قرن الشمس . وحدثنا وكيع ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون قال : كان ابن عمر يكره الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس حتى تغيب ، وحدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بكر يعني ابن حفص قال : قال : كان ابن عمر إذا كانت الجنازة صلى العصر ، ثم قال : عجلوا بها قبل أن تطفل الشمس .

                                                                                                                                                                                  وقال الترمذي : باب ما جاء في كراهة الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ثم روى حديث عقبة بن عامر الجهني : " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها ، ونقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " وأخرجه مسلم وبقية أصحاب السنن أيضا ، ثم قال الترمذي : والعمل على [ ص: 124 ] هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يكرهون الصلاة على الجنازة في هذه الأوقات . وقال ابن المبارك : معنى هذا الحديث أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة ، وهو قول أحمد وإسحاق . وقال الشافعي : لا بأس أن يصلى على الجنازة في الساعات التي تكره فيها الصلاة .

                                                                                                                                                                                  المسألة الثالثة هي قوله : " ويرفع يديه " أي : ويرفع ابن عمر يديه في صلاة الجنازة ، قال بعضهم : وصله البخاري في كتاب رفع اليدين المفرد من طريق عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة . قلت : قوله : " ويرفع يديه " مطلق يتناول الرفع في أول التكبيرات ، ويتناول الرفع في جميعها ، وعدم تقييد البخاري ذلك يدل على أن الذي رواه في كتاب رفع اليدين غير مرضي عنده ; إذ لو كان رضي به لكان ذكره في الصحيح أو قيد . قوله : " ويرفع يديه " بلفظ في التكبيرات كلها على أنا قد ذكرنا عن قريب أن ابن حزم حكى عن ابن عمر أنه لم يرفع إلا في الأولى ، وقال : لم يأت فيما عدا الأولى نص ولا إجماع ، وذكرنا عن أبي هريرة وابن عباس مثله .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : روى الطبراني في الأوسط من حديث نافع ، عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الكل . قلت : إسناده ضعيف فلا يحتج به ، والله تعالى أعلم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية