الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1260 80 - حدثنا أبو النعمان ، قال : حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت نافعا يقول : حدث ابن عمر أن أبا هريرة رضي الله عنهم يقول : من تبع جنازة فله قيراط ، فقال : أكثر أبو هريرة علينا ، فصدقت يعني عائشة أبا هريرة وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، ورجاله قد مضوا غير مرة ، وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ، وجرير بفتح الجيم [ ص: 127 ] وبكسر الراء المكررة ابن حازم بالحاء المهملة والزاي ، سبق في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا ومسلم والنسائي وابن ماجه من رواية معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي أيضا من رواية الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، وأخرجه مسلم أيضا كما أخرجه البخاري هاهنا من رواية نافع ، عن أبي هريرة . ورواه البخاري أيضا من رواية سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة . ورواه مسلم أيضا من رواية سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة . ومن رواية يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة . ورواه مسلم أيضا وأبو داود من رواية خباب صاحب المقصورة ، عن أبي هريرة . ورواه أبو داود أيضا من رواية سفيان هو ابن عيينة ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                  ورواه الترمذي وقال : حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى على جنازة فله قيراط ، ومن تبعها حتى يقضى دفنها فله قيراطان ، أحدهما أو أصغرهما مثل أحد . فذكرت ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة يسألها عن ذلك فقالت : صدق أبو هريرة فقال ابن عمر : لقد فرطنا في قراريط كثيرة " .

                                                                                                                                                                                  وفي الباب عن البراء رواه النسائي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تبع جنازة حتى يصلى عليها كان له من الأجر قيراط ، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان والقيراط مثل أحد " . وعن عبد الله بن المغفل روى حديثه النسائي أيضا عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان ، فإن رجع قبل أن يفرغ منها فله قيراط " .

                                                                                                                                                                                  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه واسمه سعد بن مالك الأنصاري ، روى حديثه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أتى الجنازة عند أهلها فمشى معها حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان مثلأحد " . وعن أبي بن كعب أخرج حديثه ابن ماجه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى على جنازة فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراط ، والذي نفس محمد بيده القيراط أعظم من أحد " .

                                                                                                                                                                                  وعن ابن عمر أخرج حديثه ابن أبي شيبة في مصنفه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى على جنازة فله قيراط " . وعن ثوبان أخرج حديثه مسلم وابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى على جنازة فله قيراط ، فإن شهد دفنها فله قيراطان القيراط مثل أحد " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " حدث " بضم الحاء على صيغة المجهول من الماضي ، ولم يبين في شيء من الطرق من كان حدث ابن عمر ، عن أبي هريرة بذلك ، ولكن يمكن أن يقال : إنه بين في موضعين أحدهما في صحيح مسلم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا عبد الله بن يزيد قال : حدثنا حيوة بن صخر ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه حدث أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال : يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد . فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ، ثم رجع إليه يخبره ما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر بالحصباء الذي كان في يده ثم قال : لقد فرطنا في قراريط كثيرة " . والموضع الآخر في رواية الترمذي وقد ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أن أبا هريرة يقول : من تبع " كذا في جميع الطرق لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن راشد ، عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه ، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه ، عن مهدي بن الحارث ، عن موسى بن إسماعيل ، وعن أبي أمية ، عن أبي النعمان ، وعن التستري ، عن شيبان ثلاثتهم عن جرير بن حازم ، عن نافع قال : قيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " من تبع جنازة فله قيراط من الأجر " فذكره . قوله : " من تبع جنازة فله قيراط " زاد مسلم في روايته " من الأجر " والقيراط بكسر القاف . قال الكرماني : [ ص: 128 ] القيراط لغة نصف دانق ، والمقصود منه هنا النصيب ، وقيل : القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد ، وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين ، وأصله القراط يعني بالتشديد بدليل جمعه بالقراريط ، فأبدل إحدى الراءين ياء ، وعن ابن عقيل القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار ، وقيل : المراد بالقيراط هاهنا جزء من أجزاء معلومة عند الله تعالى ، وقد قربها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد وقال الطيبي : قوله : " مثل أحد " تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط ، والمراد منه أن يرجع بنصيب من الأجر وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين ، فبين الموزون بقوله " من الأجر " وبين المقدار المراد منه بقوله " مثل أحد " . فإن قلت : لم خص القيراط بالذكر ؟ قلت : لأن غالب ما تقع به معاملتهم كان بالقيراط .

                                                                                                                                                                                  وقد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث : فمنها ما يحمل على القيراط المتعارف ، ومنها ما يحمل على الجزء وإن لم تعرف النسبة ، فمن الأول حديث كعب بن مالك " إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط " وحديث أبي هريرة مرفوعا " كنت أرعى الغنم لأهل مكة بالقراريط " قال ابن ماجه عن بعض شيوخه : يعني كل شاة بقيراط ، وقال غيره : قراريط جبل بمكة ، ومن المحتمل حديث ابن عمر " الذين أعطوا الكتاب أعطوا قيراطا قيراطا " وحديث الباب . وحديث أبي هريرة " من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراط " . وقد جاء في حديث مسلم وغيره " القيراط مثل أحد " وسيأتي في الباب الذي يأتي القيراطان مثل الجبلين العظيمين ، وهذا تمثيل واستعارة ، ويجوز أن يكون حقيقة بأن يجعل الله عمله ذلك يوم القيامة في صورة عين يوزن كما توزن الأجسام ، ويكون قدر هذا كقدر أحد .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : التمثيل بأحد ما وجه تخصيصه ؟ قلت : لأنه كان قريبا من المخاطبين وكان أكثرهم يعرفونه كما ينبغي ، وقيل : لأنه صلى الله عليه وسلم قال في حقه : " إنه جبل يحبنا ونحن نحبه " ، وقيل : لأنه أعظم الجبال خلقا . قلت : فيه نظر لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقال " أي : قال ابن عمر : أكثر أبو هريرة علينا . قال الكرماني : أي في ذكر الأجر أو في رواية الحديث خاف لكثرة رواياته أنه اشتبه عليه الأمر فيه لا أنه نسبه إلى رواية ما لم يسمع ; لأن مرتبتهما أجل من ذلك ، وقال ابن التين : لم يهتم ابن عمر بل خشي عليه السهو أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة أنه رفعه فظن أنه قال برأيه فاستنكره ، ووقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور فبلغ ذلك ابن عمر فتعاظمه ، وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح ، فقال ابن عمر : يا أبا هريرة انظر ما تحدث من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فصدقت " يعني عائشة أبا هريرة لفظ يعني من البخاري كأنه شك فاستعملها ، وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي النعمان شيخ البخاري فلم يقلها ، وقد ذكرنا رواية مسلم وفيها فبعث ابن عمر إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة ، وقد ذكرنا أيضا ، عن الترمذي " فأرسل إلى عائشة يسألها عن ذلك فقالت : صدق أبو هريرة " .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : روى سعيد بن منصور من حديث الوليد بن عبد الرحمن " فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة رضي الله تعالى عنها فقال لها : يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فقالت : اللهم نعم . قلت : التوفيق في ذلك بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر بخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى إلى ابن عمر فأسمعه ذلك من عائشة مشافهة ، وزاد في رواية الوليد " فقال أبو هريرة : لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس بالوادي ولا صفق بالأسواق ، وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها ، قال له ابن عمر : كنت ألزمنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأعلمنا بحديثه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لقد فرطنا في قراريط كثيرة " أي من عدم المواظبة على حضور الدفن .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه تمييز أبي هريرة في الحفظ ، وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم ، وأن العالم يستغرب ما لم يصل إلى علمه ، وفيه عدم مبالاة الحافظ بإنكار من لم يحفظ ، وفيه ما كانت الصحابة عليه من التثبت في العلم والحديث النبوي والتحرير فيه ، وفيه دلالة على فضيلة ابن عمر من حرصه على العلم وتأسفه على ما فاته من العمل الصالح ، وفيه في قوله : " من تبع جنازة " حجة لمن قال : إن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها ; لأن ذلك حقيقة الاتباع حسا . وقال ابن دقيق العيد : الذين رجحوا المشي أمامها حملوا الاتباع هنا على الاتباع المعنوي أي المصاحبة ، وهو أعم من [ ص: 129 ] أن يكون أمامها أو خلفها أو غير ذلك قلت : هذا تحكم واتباع الرجل غيره في اللغة والعرف عبارة عن أن يمشي وراءه ، وليس لما قاله وجه من الوجوه .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية