الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1285 106 - حدثنا علي بن عبد الله قال : حدثنا سفيان قال عمر : وسمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه ، فالله أعلم . وكان كسا عباسا قميصا . قال سفيان : وقال أبو هريرة : وكان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصان فقال له ابن عبد الله : يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك . قال سفيان : فيرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألبس عبد الله قميصه مكافأة لما صنع .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله " فأمر به فأخرج " أي من قبره بعد أن دفن .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله )

                                                                                                                                                                                  وهم أربعة : الأول : علي بن عبد الله المعروف بابن المديني ، الثاني : سفيان بن عيينة كذا نص عليه الحافظ المزي في ( الأطراف ) ، الثالث : عمرو بن دينار ، الرابع : جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده )

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه سفيان قال عمرو : وكأن ذاك كان في حال المذاكرة ، وفيه السماع .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره )

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن مالك بن إسماعيل ، وفي اللباس عن عبد الله بن عثمان ، وفي الجهاد عن عبد الله بن محمد الجعفي ، وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأحمد بن عبدة ، وأخرجه النسائي في الجنائز عن الحارث بن مسكين ، وعبد الجبار بن العلاء ، وعبد الله بن محمد الزهري فرقهم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه )

                                                                                                                                                                                  قوله : ( عبد الله بن أبي ) بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف ابن سلول بفتح السين المهملة ، وأبي هو أبو مالك بن الحارث بن عبيد ، وسلول امرأة من خزاعة ، وهي أم أبي مالك بن الحارث وأم عبد الله ابن أبي خولة بنت المنذر بن حرام من بني النجار ، وعبد الله سيد الخزرج في الجاهلية ، وكان رأس المنافقين . وقال الواقدي : مرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال ، ومات في ذي القعدة من سنة تسع من الهجرة ، وكان مرضه عشرين ليلة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فيها ، فلما كان اليوم الذي توفي دخل عليه صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه فقال : قد نهيتك عن حب يهود فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة فما نفعه ؟ ثم قال : يا رسول الله ليس هذا بحين عتاب ، هو الموت ، فإن مت فاحضر غسلي ، وأعطني قميصك الذي يلي جلدك فكفني فيه ، وصل علي واستغفر لي ، ففعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( حفرته ) أي قبره ، قوله : ( فأمر به ) أي فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أبي فأخرج من قبره ، قوله : ( فالله أعلم ) جملة معترضة أي : فالله أعلم بسبب إلباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه قميصه ، قوله : ( وكان ) أي عبد الله كسا عباسا قميصا ، وعباس هو ابن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما كساه مكافأة لما كان كسا العباس قميصه حين قدم المدينة ، وذلك أنهم لم يجدوا قميصا يصلح للعباس إلا قميص عبد الله بن أبي ; لأن العباس كان طويلا جدا وكذلك عبد الله بن أبي ، قال أنس : شهدت رجليه وقد فضلتا السرير من طوله ، قوله : ( قال سفيان ) هو ابن عيينة ، وقال أبو هريرة : هكذا هو في كثير من الروايات ، ووقع في رواية أبي ذر : قال سفيان : وقال أبو هارون ، قيل : هو الصواب ، وأبو هريرة تصحيف ، وأبو هارون هذا هو موسى بن أبي عيسى ميسرة الحناط بالحاء المهملة وبالنون المدني ، كذا نص عليه الأكثرون ، وقيل : هو إبراهيم بن العلاء الغنوي من شيوخ البصرة ، وكلاهما من أتباع التابعين ، [ ص: 165 ] وقال بعضهم : أبو هارون المذكور جزم المزي بأنه عيسى ابن أبي موسى الحناط قال : وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فسماه عيسى ، ولفظه : حدثنا عيسى بن أبي موسى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : قال صاحب ( التلويح ) : أبو هارون هذا موسى بن أبي عيسى ميسرة الحناط الغفاري أخو عيسى بن أبي عيسى الطحان ، وتبعه على ذلك صاحب ( التوضيح ) ، وكذا قال الكرماني : أبو هارون هو موسى بن أبي عيسى الحناط ، قال الغساني : أتى ذكره في الجامع في كتاب الجنائز في باب هل يخرج الميت من القبر في قصة ابن سلول فقط ، وعلى كل حال الحديث معضل .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( قال له ابن عبد الله ) أي قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ابن عبد الله بن أبي ، وهو أيضا اسمه عبد الله ، وكان اسمه الحباب فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله ، فقال : " أنت عبد الله والحباب شيطان " ، وقد كان أسلم وحسن إسلامه ، وشهد بدرا مسلما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يصعب عليه صحبة أبيه للمنافقين ، وهو الذي جلس على باب المدينة ومنع أباه في غزاة المريسيع من دخولها ، قوله : ( ألبس ) بفتح الهمزة من الإلباس ، قوله : ( قال سفيان فيرون ) إلى آخره متصل عند سفيان ، أخرجه البخاري في أواخر الجهاد في باب كسوة الأسارى قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمر ، وسمع جابر بن عبد الله قال : لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ، ولم يكن عليه ثوب ، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - له قميصا ، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه ، فكساه النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه ، فلذلك نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه الذي ألبسه ، قال ابن عيينة : كانت له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يد فأحب أن يكافئه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه )

                                                                                                                                                                                  فيه جواز إخراج الميت من قبره لعلة ، وقد ذكرناه مستوفى ، ومن العلة أن يكون دفن بلا غسل ، أو لحق الأرض المدفون فيها سيل أو نداوة قاله الماوردي في أحكامه ، وقال ابن المنذر : اختلف العلماء في نبش من دفن ولم يغسل ، فأكثرهم يجيز إخراجه وغسله ، هذا قول مالك والشافعي ، إلا أن مالكا قال : ما لم يتغير ، وكذا عندنا ما لم يتغير بالنتن ، وقيل : ينبش ما دام فيه جزء من عظم وغيره ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا وضع في اللحد ولم يغسل لا ينبغي أن ينبشوه ، وبه قال أشهب ، وكذلك اختلفوا فيمن دفن بغير صلاة ، قال ابن المنذر : فعندنا لا ينبش بل يصلى على القبر اللهم إلا أن لا يهال عليه التراب ، فإنه يخرج ويصلى عليه ، نص عليه الشافعي لعلة المشقة وأنه لا يسمى نبشا ، وقيل : ترفع لبنته وهو في لحده مما يقابل وجهه لينظر بعضه فيصلى عليه ، وقال ابن القاسم : يخرج ما لم يتغير وهو قول سحنون ، وقال أشهب : إن ذكروا ذلك قبل أن يهال عليه التراب أخرج وصلي عليه ، وإن أهالوا فليترك وإن لم يصل عليه ، وعن مالك : إذا نسيت الصلاة على الميت حتى فرغ من دفنه لا أرى أن ينبشوه لذلك ولا يصلى على قبره ولكن يدعون له ، وروى سعد بن منصور عن شريح بن عبيد أن رجالا قبروا صاحبا لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنا ، فوجدوا معاذ بن جبل فأخبروه ، فأمرهم أن يخرجوه ثم غسل وكفن وحنط وصلي عليه ، وفيه ونفث عليه من ريقه ، احتج به على من يرى نجاسة الريق والنخامة ، وهو قول يروى عن سلمان الفارسي وإبراهيم النخعي ، والعلماء كلهم على خلافه ، والسنن وردت برده ، فمعاذ الله من صحة خلافه ، والشارع علمنا النظافة والطهارة ، وبه طهرنا الله من الأدناس ، فريقه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يتبرك به ويستشفى ، وفيه أن الشهداء لا تأكل الأرض لحومهم ، وقيل : أربعة لا تعدو عليهم الأرض ولا هوامها : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والعلماء ، والشهداء ، والمؤذنون ، وقيل : ذلك لأهل أحد كرامة لهم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية