الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1320 140 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا جرير بن حازم قال : حدثنا أبو رجاء ، عن سمرة بن جندب قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال : من رأى منكم الليلة رؤيا ؟ قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول ما شاء الله ، فسألنا يوما فقال : هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ قلنا : لا . قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة ، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد . قال بعض أصحابنا عن موسى أنه يدخل ذلك الكلوب في شدقه حتى يثلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ، ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله ، قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة فيشدخ به رأسه ، فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه ، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو ، فعاد إليه فضربه ، قلت : من هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا ، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة ، فقلت : من هذا ؟ قالا : [ ص: 215 ] انطلق . فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر - وقال يزيد ووهب بن جرير بن حازم : وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة - فأقبل الرجل الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ، فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان ، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها ، فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها ، فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان ، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل فيها شيوخ وشباب ، قلت : طوفتماني الليلة ، فأخبراني عما رأيت . قالا : نعم ; أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق ، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة . والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار ، يفعل به إلى يوم القيامة . والذي رأيته في الثقب فهم الزناة ، والذي رأيته في النهر آكلوا الربا ، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس ، والذي يوقد النار مالك خازن النار ، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين ، وأما هذه الدار فدار الشهداء ، وأنا جبريل وهذا ميكائيل ، فارفع رأسك . فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب ، قالا : ذاك منزلك . قلت : دعاني أدخل منزلي . قالا : إنه بقي لك عمر لم تستكمله ، فلو استكملت أتيت منزلك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته لترجمة الباب في قوله " والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والصبيان حوله أولاد الناس " ، وهذا صريح في كون أولاد الناس كلهم في الجنة ، ويدخل فيه أولاد المشركين ، ويؤيده روايته في التعبير بلفظ : وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة . فقال بعض المسلمين : وأولاد المشركين ؟ فقال : وأولاد المشركين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم أربعة ; الأول : موسى بن إسماعيل ، أبو سلمة المنقري الذي يقال له : التبوذكي . الثاني : جرير - بفتح الجيم - ابن حازم ; بالحاء المهملة والزاي . الثالث : أبو رجاء - بتخفيف الجيم وبالمد - واسمه عمران بن تميم ، ويقال : ابن ملحان العطاردي . الرابع : سمرة بن جندب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه أنه من رباعيات البخاري ، وفيه أن شيخه بصري وشيخ شيخه كذلك ، وأبو رجاء مخضرم أدرك زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة ولم ير النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ونزل البصرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في البيوع وفي الجهاد وفي بدء الخلق وفي صلاة الليل وفي الأدب عن موسى بن إسماعيل ، وفي الصلاة وفي أحاديث الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وفي التفسير وفي التعبير عن مؤمل بن هشام ، والذي أخرجه في الصلاة في باب عقد الشيطان على قافية الرأس أخرجه عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل ابن علية عن عوف عن أبي رجاء عن سمرة بن جندب مختصرا جدا ، وذكرنا هناك من أخرجه غيره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( فسألنا ) بفتح اللام ، جملة من الفعل والفاعل والمفعول .

                                                                                                                                                                                  قوله ( يوما ) نصب على الظرف .

                                                                                                                                                                                  قوله ( رؤيا ) على وزن فعلى بالضم ، يقال رأى في منامه رؤيا على فعلى بلا تنوين ، وجمعه رأى بالتنوين مثال رعى ، والمشهور عند أهل اللغة أن الرؤيا [ ص: 216 ] في النوم والرؤية في اليقظة ، وقد قيل إن الرؤيا أيضا تكون في اليقظة ، وعليه تفسير الجمهور في قوله سبحانه وتعالى " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " أن الرؤيا هاهنا في اليقظة وتكتب بالألف كراهة اجتماع الياءين .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فإذا رجل ) ، كلمة " إذا " للمفاجأة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( كلوب ) بفتح الكاف وضم اللام المشددة ، وهو الحديدة التي ينشل بها اللحم عن القدر ، وكذلك الكلاب ، وكذا وقع في رواية الطبراني .

                                                                                                                                                                                  قوله ( من حديد ) ، كلمة " من " للبيان كما في قولك خاتم من فضة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال بعض أصحابنا عن موسى ) ، وهو موسى بن إسماعيل شيخ البخاري المذكور في أول الحديث ، وهذا البعض مبهم ولكن لا يضر لما عرف من عادة البخاري أنه لا يروي إلا عن العدل الذي بشرطه ، فلا بأس بجهل اسمه . وقال الكرماني : فإن قلت : لم ما صرح باسمه حتى لا يلزم التدليس ؟ قلت : لعله نسي اسمه ، أو لغرض آخر . فإن قلت : ما المقدار الذي هو مقول بعض الأصحاب ؟ قلت : كلوب من حديد . فإن قلت : فعلى رواية غيره لا يتم الكلام إذ لم يذكر ما بيده - قلت : محذوف ، كأنه قال : بيده شيء فسره بعض الأصحاب بأنه كلوب .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أنه ) ; أي أن ذلك الرجل الذي في يده الكلوب .

                                                                                                                                                                                  قوله ( يدخل ) بضم الياء من الإدخال .

                                                                                                                                                                                  قوله ( الكلوب ) منصوب به .

                                                                                                                                                                                  قوله ( في شدقه ) بكسر الشين ، جانب الفم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( حتى يثلغ قفاه ) ، من ثلغ يثلغ - بفتح اللام فيهما - ثلغا ، ومادته ثاء مثلثة ولام وغين معجمة ، والثلغ الشدخ ، وقيل : هو ضربك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتى يتشدخ .

                                                                                                                                                                                  قوله ( مثل ذلك ) ; أي مثل ما فعل بشدقه الأول .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ورجل قائم ) جملة حالية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بفهر ) بكسر الفاء وسكون الهاء وفي آخره راء ، وهو الحجر ملء الكف ، وقيل : هو الحجر مطلقا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فيشدخ ) من الشدخ ; وهو كسر الشيء الأجوف ، تقول شدخت رأسه فانشدخ ، ومادته شين معجمة ودال مهملة وخاء معجمة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( تدهده الحجر ) ; أي تدحرج ، وهو على وزن تفعلل من مزيد الرباعي ، ورباعيه دهده على وزن فعلل ، يقال دهدهت الحجر إذا دحرجته ، ويقال أيضا دهيدته . وقال الجوهري : قد تبدل من الهاء ياء فيقال تدهدى الحجر وغيره تدهديا ، ودهديته أنا أدهديه دهدأة ودهداء إذا دحرجته .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إلى ثقب ) بفتح الثاء المثلثة ، ويروى بالنون ، وفي المطالع وعند الأصيلي " نقب " بالنون وفتح القاف وهو بمعنى " ثقب " بالثاء المثلثة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( مثل التنور ) بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد النون المضمومة وفي آخره راء ، وهذه اللفظة من الغرائب حيث توافق فيها جميع اللغات ، وهو الذي يخبز فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( يتوقد تحته نارا ) ، الضمير في " يتوقد " يرجع إلى الثقب ، و " نارا " منصوب على التمييز كما يقال مررت بامرأة يتضوع من أردانها طيبا أي يتضوع طيبها من أردانها ، ويروى " نار " بالرفع على أنه فاعل " يتوقد " .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فإذا اقترب ارتفعوا ) من القرب ، كذا في رواية أبي ذر والأصيلي ، والضمير في " اقترب " يرجع إلى الوقود أو الحر الدال عليه قوله " يتوقد " . وفي رواية القابسي وابن السكن وعبدوس " فإذا افترت " بالفاء والتاء المثناة من فوق ; أي فإذا أخمدت ، وأصله من الفترة وهو الانكسار والضعف ، وقد فتر الحر وغيره يفتر فتورا وفتره الله تفتيرا . وقال ابن التين بالقاف " قترت " ، ومعناه ارتفعت ، من القترة وهو الغبار . وقال الجوهري : قتر اللحم يقتر بالكسر إذا ارتفع قتارها ، وقتر اللحم بالكسر لغة فيه حكاها أبو عمرو وقال : والقتار ريح الشواء . وقال ابن التين : وأما " فترت " بالفاء فما علمت له وجها ; لأن بعده " فإذا خمدت رجعوا " ، ومعنى خمدت وفترت واحد . وعند النسفي : إذا أوقدت ارتفعوا . وقال الطيبي في شرح المشكاة : فإذا ارتقت من الارتقاء وهو الصعود . ثم قال : كذا في الحميدي وجامع الأصول . ثم قال : وهو الصحيح دراية ورواية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ارتفعوا ) جواب " إذا " ، والضمير الذي فيه يرجع إلى الناس بدلالة سياق الكلام .

                                                                                                                                                                                  قوله ( حتى كاد أن يخرجوا ) ; أي كاد خروجهم ، والخبر محذوف ، أي حتى كاد خروجهم يتحقق . قال الطيبي : وفي نسخ المصابيح " حتى يكادوا يخرجوا " ، وحقه إثبات النون ، اللهم إلا أن يتمحل ويقدر أن يخرجوا تشبيها لكاد بعسى ثم حذف أن وترك على حاله . وفي التوضيح : وروي بإثبات النون .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال يزيد ووهب بن جرير عن جرير بن حازم : وعلى شط النهر رجل ) ، وهذا التعليق من يزيد بن هارون ووهب ثبت في رواية أبي ذر ، كما جاء في التعبير : على شط النهر رجل . أما التعليق عن يزيد فوصله أحمد عنه وساق الحديث بطوله ، وفيه : فإذا نهر من دم فيه رجل وعلى شط النهر رجل . وأما التعليق عن جرير بن حازم فوصله أبو عوانة في صحيحه من طريقه ، وفيه : حتى ينتهي إلى نهر من دم ورجل قائم في وسطه ورجل على شاطئ النهر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( في فيه ) ; أي في فمه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فجعل كلما جاء ليخرج وقع ) ، خبر " جعل " [ ص: 217 ] هنا جملة فعلية مصدرة بكلما ، وحقه أن يكون فعلا مضارعا كما في غيره من أفعال المقاربة ، ولكن ترك الأصل شذوذا كما وقع هنا جملة من فعل ماض مقدم عليه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( رمى الرجل ) روي بالرفع والنصب ، قاله الكرماني . قلت : وجه الرفع أن " رمي " على صيغة المجهول أسند إليه الرجل ، ووجه النصب أن " رمى " على صيغة المعلوم والضمير الذي فيه يرجع إلى الرجل القائم على شط النهر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فقلت : ما هذا ؟ ) ، قال الكرماني : فإن قلت : لم ذكر في المشدوخ بلفظ " من " وفي أخواته الثلاثة بلفظ " ما " ؟ قلت : السؤال بمن عن الشخص وبما عن حاله ، وهما متلازمان فلا تفاوت في الحاصل منهما ، أو لما كان هذا الرجل عبارة عن العالم بالقرآن ذكره بلفظ من الذي للعقلاء إذ العلم من حيث هو فضيلة وإن لم يكن معه العمل بخلاف غيره إذ لا فضيلة لهم وكأنه لا عقل لهم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وفي أصلها شيخ وصبيان ) ، يريد الذين هم في علم الله من أهل السعادة من أولاد المسلمين ، قاله أبو عبد الملك .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وأدخلاني ) ، ويروى " فأدخلاني " بالفاء .

                                                                                                                                                                                  قوله ( طوفتماني ) بالنون ، ويروى " طوفتما بي " بالباء الموحدة من التطويف ، يقال طوف إذا أكثر الطواف وهو الدوران ، يقال طاف حول البيت يطوف طوفا وطوفانا وتطوف واستطاف كله بمعنى .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب ) ، قال الكرماني : قال المالكي : لا بد من جعل الموصول الذي هاهنا للمعين كالعام حتى جاز دخول الفاء في خبره ; أي المراد هو وأمثاله . قلت : نقل الطيبي عنه مبسوطا فقال : قال المالكي : في هذا شاهد على أن الحكم قد يستحق بجزء العلة ، وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء على خبره إلا إذا كان شبيها بمن الشرطية في العموم واستقبال ما يتم به المعنى نحو الذي يأتيني فمكرم ، فلو كان المقصود بالذي معنا زالت مشابهته بمن وامتنع دخول الفاء على الخبر كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدآت المقصود بها التعيين نحو زيد مكرم ، فمكرم لم يجز ، فكذا لا يجوز الذي يأتيني إذا قصدت به معينا ، لكن الذي يأتيني عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم ، فجاز دخول الفاء حملا للشبيه على الشبيه ، ونظيره قوله تعالى : وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله فإن مدلول " ما " معين ومدلول " أصابكم " ماض ، إلا أنه روعي فيه الشبه اللفظي ، يشبه هذه الآية بقوله :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم فأجرى " ما " في مصاحبة الفاء مجرى واحد . ثم قال الطيبي : أقول : هذا كلام متين ، لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة ، فلا بد من ذكر كلمة التفصيل كما في صحيح البخاري والحميدي والمشكاة أو تقديرها بالفاء جواب " أما " ، والفاء في قوله " فأولاد الناس " جاز دخوله على الخبر لأن الجملة معطوفة على مدخول " أما " في قوله " أما الرجل الذي رأيته " ، وحذف الفاء في بعض المعطوفات نظرا إلى أن " أما " لما حذفت حذف مقتضاها وكلاهما جائزان .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فنام عنه ) ; أي أعرض عنه ، وعن هاهنا كما في قوله تعالى : الذين هم عن صلاتهم ساهون

                                                                                                                                                                                  قوله ( دار الشهداء ) ، قال الكرماني : فإن قلت : لم اكتفى في هذه الدار بذكر الشيوخ والشباب ولم يذكر النساء والصبيان ؟ قلت : لأن الغالب أن الشهيد لا يكون إلا شيخا أو شابا لا امرأة أو صبيا . فإن قلت : مناسبة التعبير للرؤيا ظاهرة إلا في الزناة ، فما هي ؟ قلت : من جهة أن العري فضيحة كالزنا ، ثم إن الزاني يطلب الخلوة كالتنور ، ولا شك أنه خائف حذر وقت الزنا كأن تحته النار . فإن قلت : درجة إبراهيم عليه الصلاة والسلام رفيعة فوق درجات الشهداء ، فما وجه كونه تحت الشجرة وهو خليل الله وأبو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟ قلت : فيه إشارة إلى أنه الأصل في الملة وأن كل من بعده من الموحدين فهو تابع له ، وبممره يصعدون شجرة الإسلام ويدخلون الجنة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( دعاني ) ; أي اتركاني ، وهو خطاب للملكين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) : فيه الاهتمام بأمر الرؤيا واستحباب السؤال عنها وذكرها بعد الصلاة ، وفيه التحذير عن الكذب والرواية بغير الحق ، وفيه التحذير عن ترك قراءة القرآن والعمل به ، وفيه التغليظ على الزناة .

                                                                                                                                                                                  ووجه الضبط في هذه الأمور أن الحال لا يخلو من الثواب والعقاب ، فالعذاب إما على ما يتعلق بالقول أو بالفعل ، والأول إما على وجود قول لا ينبغي أو على عدم قول ينبغي ، والثاني إما على بدني وهو الزنا ونحوه أو مالي وهو الربا أو نحوه ، والثواب إما لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ودرجته فوق الكل مثل السحابة وإما للأمة وهي ثلاث درجات : الأدنى للصبيان ، [ ص: 218 ] والأوسط للعامة ، والأعلى للشهداء .

                                                                                                                                                                                  وفيه فضل تعبير الرؤيا ، وفيه أن من قدم خيرا وجده غدا في القيامة لقوله : أتيت منزلك . وفيه استحباب إقبال الإمام بعد سلامه على أصحابه ، وفيه مبادرة المعبر إلى تأويلها أول النهار قبل أن يتشعب ذهنه باشتغاله في معاشه في الدنيا ولأن عهد الرائي قريب ولم يطرأ عليه ما يشوشها ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله كالحث على خير والتحذير عن معصية ، وفيه إباحة الكلام في العلم ، وفيه أن استدبار القبلة في جلوسه للعلم أو غيره جائز .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية