الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1337 8 - حدثنا الحكم بن نافع قال : أخبرنا شعيب قال : حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : تأتي الإبل على صاحبها [ ص: 250 ] على خير ما كانت إذا هو لم يعط فيها حقها تطؤه بأخفافها ، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ، قال : ومن حقها أن تحلب على الماء . قال : ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار ، فيقول : يا محمد ! فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد بلغت . ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء ، فيقول : يا محمد ! فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد بلغت .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه يخبر عن مانع الزكاة ما يعذب به ، ولا يعذب أحد إلا على ترك فرض من الفرائض ، ولو لم يكن في منعه الزكاة آثما لما استوجب هذه العقوبة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ; الأول : الحكم - بفتحتين - ابن نافع ، أبو اليمان البهراني الحمصي ، وقد تكرر ذكره . الثاني : شعيب بن أبي حمزة الحمصي . الثالث : أبو الزناد - بالزاي والنون - واسمه عبد الله بن ذكوان . الرابع : عبد الرحمن بن هرمز ، وقد تكرر ذكره . الخامس : أبو هريرة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع واحد ، وفيه السماع ، وفيه القول في موضع واحد على صيغة الماضي وفي موضع على صيغة المستقبل ، وفيه أن نصف السند حمصي ونصفه مدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) : أخرجه مسلم عن سويد بن سعيد قال : حدثنا حفص بن ميسرة الصنعاني ، عن زيد بن أسلم أن أبا صالح ذكوان أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت له ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله ; إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . قيل : يا رسول الله ، فالإبل ؟ قال : ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها - ومن حقها حلبها يوم ورودها - إلا إذا كان يوم القيامة نطح بها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله ; إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . قيل : يا رسول الله ، فالبقر والغنم ؟ قال : ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة نطح بها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء ، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله ; إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . . . الحديث بطوله ، وأخرجه أبو داود رحمه الله تعالى مختصرا ، وكذلك النسائي رضي الله تعالى عنه . وفي الباب عن جابر أيضا أخرجه مسلم منفردا من رواية أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها ، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها ، ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها . . . الحديث . وعن عبد الله بن الزبير - أخرجه الطبراني عنه - أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال : ما من صاحب إبل إلا يؤتى به يوم القيامة إذا لم يكن يؤدي حقها ، فتمشي عليه بقاع تطؤه بأخفافها ، ويؤتى بصاحب البقر إذا لم يكن يؤدي حقها ، فتمشي عليه بقاع تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ، ويؤتى بصاحب الغنم إذا لم يكن يؤدي حقها ، فتمشي عليه بقاع فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا مكسورة القرن ، ويؤتى بصاحب الكنز فيمثل له شجاع أقرع فلا يجد شيئا فيدخل يده في فيه . وفي إسناده أبو حذيفة ، فإن كان هو صاحب كتاب المنتقى فهو متروك ، واسمه إسحاق بن بشير .

                                                                                                                                                                                  قوله ( تأتي الإبل ) ، الإبل اسم الجمع وهو مؤنث ، [ ص: 251 ] وكذلك الغنم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( على صاحبها ) ، قال بلفظ " على " بيانا لاستعلائها وتسلطها عليه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( على خير ما كانت ) ; يعني في القوة والسمن ليكون أشد لفعلها ، وفي رواية الترمذي عن أبي ذر " إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه " ; أي أعظم ما كانت عند الذي منع زكاتها لأنها قد تكون عنده على حالات : مرة هزيلة ، ومرة سمينة ، ومرة صغيرة ، ومرة كبيرة ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تأتي على أعظم أحوالها عند صاحبها . وفي رواية أبي داود " إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت " ; أي أحسن ما كانت من السمن وصلاح الحال .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فتطؤه بأخفافها ) ، سقطت الواو من " تطؤ " عند بعض النحويين لشذوذ هذا الفعل من بين نظائره في التعدي ; لأن الفعل إذا كان فاؤه واوا وكان على فعل - بكسر العين - كان غير متعد غير هذا الحرف وآخر وهو وسع ، فلما شذا دون نظائرهما أعطيا هذا الحكم ، وقيل : إن أصله توطئ بكسر الطاء ، فسقطت لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتحت الطاء لأجل الهمزة . والأخفاف جمع خف البعير ، والخف من الإبل بمنزلة الظلف للغنم والقدم للآدمي والحافر للحمار والبغل والفرس والظلف للبقر والغنم والظبا ، وكل حافر منشق منقسم فهو ظلف ، وقد استعير الظلف للفرس .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وتنطحه ) ، قال شيخنا زين الدين رحمه الله : المشهور في الرواية " تنطحه " بكسر الطاء ، وفيه لغتان حكاهما الجوهري : الفتح والكسر ، فالكسر هو الأصح وماضيه مخفف وقد يشدد ، ولا يختص بالكبش كما ادعاه ابن . . . بل يستعمل في الثور وغيره .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ومن حقها أن تحلب على الماء ) ; أي لتسقي ألبانها أبناء السبيل والمساكين الذين ينزلون على الماء ، ولأن فيه الرفق على الماشية لأنه أهون لها وأوسع عليها . وقال ابن بطال : يريد حق الكرم والمواساة وشريف الأخلاق لا أن ذلك فرض . وقال أيضا : كانت عادة العرب التصدق باللبن على الماء ، فكان الضعفاء يرصدون ذلك منهم . قال : والحق حقان ; فرض عين وغيره ، فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق . وقال إسماعيل القاضي : الحق المفترض هو الموصوف المحدود ، وقد تحدث أمور لا تحد فتجب فيها المواساة للضرورة التي تنزل من ضيف مضطر أو جائع أو عار أو ميت ليس له من يواريه فيجب حينئذ على من يمكنه المواساة التي تزول بها هذه الضرورات . قال ابن التين : وقيل كان هذا قبل فرض الزكاة . وفي التلويح : وفي باب الشرب من كتاب البخاري من روى " يجلب " بالجيم ; أراد يجلب لموضع سقيها فيأتيها المصدق . قال : ولو كان كما قال لقال أن يجلب إلى الماء ولم يقل على الماء ، انتهى . قلت : رأي الكوفيين أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض ، ويجوز أن يكون " على " بمعنى إلى ، وفي المطالع : ذكر الداودي أنه يروى " يجلب " بالجيم ، وفسره بالجلب إلى المصدق .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لها يعار ) بضم الياء آخر الحروف وبالعين المهملة ، كذا في هذه الرواية ، وقال في المطالع في باب منع الزكاة " لها ثعار " بالثاء المثلثة عند أبي أحمد ، وعند أبي زيد " تعار أو يعار " على الشك ، وعند غيرهما بالغين المعجمة . وفي باب الغلول " شاة لها ثغاء أو يعار " ، والثغاء للضأن واليعار للمعز . وفي المحكم : اليعار صوت الغنم ، وقيل صوت المعز ، وقيل هو الشديد من أصوات الشاء ، يعرت تيعر وتيعر الفتح عن كراع . وقال القزاز : اليعار ليس بشيء ، إنما هو الثغاء وهو صوت الشاة ، ويجوز أن يكون كتب الحرف بالهمزة أمام الألف فظنت راء . وقال صاحب الأفعال : اليعور الشاة التي تبول على محلبها فيفسد اللبن .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لا أملك لك ) ; أي للتخفيف عنك وقد بلغت إليك حكم الله .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ببعير ) ، البعير يقع على الذكر والأنثى من الإبل ، ويجمع على أبعرة وبعران .

                                                                                                                                                                                  قوله ( رغاء ) ; أي للبعير رغاء بضم الراء وبالغين المعجمة ، والرغاء للإبل خاصة ، وباب الأصوات يجيء في الغالب على فعال كالبكاء وعلى فعيل كالصهيل وعلى فعللة كالحمحمة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) : فيه ما يدل على وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم ، وأما كيفية مقدارها في كل صنف ففي أحاديث أخرى . وفيه ما استدل بعضهم أن الحق غير الزكاة باق في ألبان الماشية وأثمار الأشجار للفقراء وأبناء السبيل ، وقالوا : قد عاب الله تعالى قوما أخفوا جذاذهم في قوله " ليصرمنها مصبحين " ، أرادوا أن لا يصيب المسلمين منها شيء ، وقيل في قوله تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " نحوا من هذا وأنه باق مع الزكاة ، ويحكى هذا عن الشعبي والحسن وعطاء [ ص: 252 ] وطاوس ، وعن أبي هريرة : حق الإبل أن تنحر السمينة وتمنح العزيزة ويفقد الظهر وتطرق الفحل وتسقى اللبن . ومذهب أكثر العلماء أن هذا على الندب والمواساة .

                                                                                                                                                                                  وفيه ما يدل على أن الله تعالى يبعث الإبل والبقر والغنم التي منعت زكاتها بعينها ليعذب بها مانعها كما صرح به في الحديث ، وأما المال الذي ليس بحيوان الذي منع فيه الزكاة فإنه يمثل له يوم القيامة شجاعا أقرع على ما يجيء عن قريب ، ويحتمل أن عين ماله ينقلب ثعبانا يعذب به صاحبه ولا ينكر قلب الأعيان في الآخرة .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية