الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1339 وقال أحمد بن شبيب بن سعيد : حدثنا أبي ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن خالد بن أسلم [ ص: 255 ] قال : خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فقال أعرابي : أخبرني قول الله : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما : من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا التعليق للترجمة من حيث المفهوم ; لأن مفهوم قوله " من كنزها فلم يؤد زكاتها " إذا أدى زكاتها لا يستحق الوعيد ، فإذا لم يستحق الوعيد بسبب أدائه الزكاة يدخل في معنى الترجمة ، وهذا التعليق وصله أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن محمد بن يحيى الذهلي عن أحمد بن شبيب بإسناده ، وأخرجه البيهقي فقال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو محمد دعلج بن أحمد السختياني ببغداد ، حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، حدثنا أحمد بن شبيب ، حدثنا أبي . . . إلى آخره بهذا الإسناد ، وفيه زيادة وهي قوله : " ثم التفت إلي فقال : ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعة الله تعالى " .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم ستة ; الأول : أحمد بن شبيب - بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أخرى - الحبطي - بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وبالطاء المهملة - نسبة إلى الحبطات من بني تميم ، وهو الحارث بن عمرو بن تميم بن مرة ، والحارث هو الحبط ، وولده يقال لهم الحبطات ، روى عنه البخاري في مناقب عثمان رضي الله تعالى عنه وفي الاستقراض مفردا وفي غير موضع مقرونا إسناده بإسناد آخر ، قال ابن قانع : مات سنة تسع وعشرين ومائتين . وقال ابن عساكر : سنة تسع وثلاثين . الثاني : أبوه شبيب بن سعيد أبي سعيد الحبطي ، مات سنة ست وثمانين ومائتين . الثالث : يونس بن يزيد الأيلي ، وقد مر غير مرة . الرابع : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . الخامس : خالد بن أسلم أخو زيد بن أسلم ، مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . السادس : عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التصدير بالقول من غير تحديث ، وفيه أحمد بن شبيب في رواية الأكثرين ، وفي رواية أبي ذر : حدثنا أحمد ، وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن أحمد وأباه بصريان ويونس أيلي مصري وابن شهاب وخالدا مدنيان ، وفيه أن أحمد من أفراده ، وفيه رواية الابن عن الأب ، وفيه رواية التابعي عن الصحابي ، وفيه أن خالدا من أفراده وقال الحميدي : ليس في الصحيح لخالد غير هذا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في التفسير نحو ما أخرجه هنا ، وأخرجه النسائي في الزكاة عن عمرو بن سواد عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري نحوه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( من كنزها ) ، إفراد الضمير إما على تأويل الأموال أو أعاد الضمير إلى الفضة ; لأن الانتفاع بها أكثر ، أو لكثرة وجودها ، والحامل على ذلك رعاية لفظ القرآن .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فويل له ) ، الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب ، والمعنى : فالعذاب لمن كنز الذهب والفضة ولم ينفقهما في سبيل الله ، وارتفاع " ويل " على الابتداء .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قبل أن تتنزل الزكاة ) ، واختلف في أول وقت فرض الزكاة ; فعند الأكثرين وقع بعد الهجرة فقيل : كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان . وقال ابن الأثير : كان في السنة التاسعة ، ورد عليه لورود ذكرها في عدة أحاديث قبل ذلك وكذا مخاطبة أبي سفيان مع هرقل ، وكان يأمرنا بالصلاة والزكاة وكانت في أول السابعة . فإن قلت : يدل على ما ذهب إليه ابن الأثير ما وقع في قضية ثعلبة بن حاطب المطولة وفيها : لما أنزلت آية الصدقة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عاملا فقال : ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية ، والجزية إنما وجبت في التاسعة فتكون الزكاة في التاسعة - قلت : هذا حديث ضعيف لا يحتج به . فإن قلت : ادعى ابن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة ، واحتج بما أخرجه من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها في قصة هجرتهم إلى الحبشة وفيها أن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال للنجاشي في جملة ما أخبره به عن النبي صلى الله عليه وسلم : ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قلت : أجيب بأن فيه نظرا ; لأن الصلوات خمس لم تكن فرضت بعد ولا صيام رمضان ، وأجاب بعضهم بأن مراجعة [ ص: 256 ] جعفر لم تكن في أول ما قدم على النجاشي ، وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من قضية الصلاة والصيام ، وبلغ ذلك جعفرا فقال : يأمرنا ; بمعنى يأمر أمته . قلت : هذا بعيد جدا ، فإن أجيب بأنه ليس المراد من الصلاة الصلوات الخمس ولا من الزكاة الزكاة المفروضة ، ولا من الصيام صوم شهر رمضان ، بل المراد من الصلاة الصلاة التي كانوا يصلونها ركعتين قبل فرضية الخمس ، والمراد من الصوم مطلق الصوم ; لأنهم ربما كانوا يصومون اتباعا للشريعة التي كانت قبل ، والمراد من الزكاة الصدقة ، فلا بأس بهذا التأويل وذلك بعد أن يسلم حديث أم سلمة من قدح في إسناده ، فافهم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( طهرا للأموال ) ; أي في حق الفقراء ، وهي أوساخ الناس ، ولهذا لا تحل لبني هاشم كما ورد في حديث مسلم أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ، فإذا أخرجت الزكاة يحصل الطهر للأموال ، وكذلك هي طهر لأصحابها عن رذائل الأخلاق والبخل .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية