الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  137 3 - حدثنا علي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وعن عباد بن تميم ، عن عمه : أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال : لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا . [ ص: 251 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 251 ] مطابقة الحديث للترجمة في قوله : " لا ينفتل " إلى آخره لأنه يفهم منه ترك الوضوء من الشك حتى يستيقن وهو معنى قوله : " حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " .

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم ستة :

                                                                                                                                                                                  الأول : علي بن عبد الله المشهور بابن المديني وقد مر .

                                                                                                                                                                                  الثاني : سفيان بن عيينة وقد مر غير مرة .

                                                                                                                                                                                  الثالث : محمد بن مسلم الزهري كذلك .

                                                                                                                                                                                  الرابع : سعيد بن المسيب بفتح الياء وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عباد بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن تميم بن زيد بن عاصم الأنصاري المدني ، وقال : أعي يوم الخندق وأنا ابن خمس سنين ، فينبغي إذا أن يعد في الصحابة ، وقال ابن الأثير وغيره : إنه تابعي لا صحابي ، وهذا هو المشهور ، وليس في الصحابة من يسمى عباد بن تميم سواه على قول من يعده صحابيا ، وممن عده من الصحابة : الذهبي ، ووقع في بعض نسخ ابن ماجه رواية عباد عن أبيه عن عمه حديث الاستسقاء وتبعه ابن عساكر ، والصواب عن عبد الله بن أبي بكر قال : سمعت عباد بن تميم يحدث عن أبيه عن عمه ، وعباد بالضبط المذكور يشتبه بعباد بضم العين وتخفيف الباء ، وهو والد قيس وغيره ، وبعباد بكسر العين وتخفيف الباء وبعياذ بكسر العين ، وتخفيف الياء آخر الحروف والذال المعجمة ، وبعناد بكسر العين وتخفيف النون وبالدال المهملة .

                                                                                                                                                                                  السادس : عم عباد المذكور وهو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبدول بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المازني من بني مازن ابن النجار المدني ، له ولأبويه صحبة ، ولأخيه حبيب بن زيد الذي قطعه مسيلمة عضوا عضوا ، فقضي أن عبد الله هو الذي شارك وحشيا في قتل مسيلمة وهو راوي هذا الحديث وحديث صلاة الاستسقاء أيضا الآتي في بابه إن شاء الله تعالى وغيرهما من الأحاديث ، ووهم ابن عيينة فزعم أنه روى الأذان أيضا وهو عجيب ، فإن ذاك عبد بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد الأنصاري ، فكلاهما اتفقا في الاسم واسم الأب والقبيلة ، وافترقا في الجد والبطن من القبيلة ، فالأول مازني والثاني حارثي ، وكلاهما أنصاريان خزرجيان فيدخلان في نوع المتفق والمفترق ، وبين غلط ابن عيينة في ذلك البخاري في صحيحه في باب الاستسقاء كما ستعلمه هناك إن شاء الله تعالى ، وروي لعبد الله المذكور في الحديث ثمانية وأربعون حديثا اتفقا على ثمانية منها ، وأما عبد الله بن زيد صاحب الأذان فلم يشتهر له إلا حديث واحد وهو حديث الأذان حتى قال البخاري فيما نقله الترمذي عنه : لا يعرف له غيره ، لكن له حديثان آخران ، وعبد الله راوي هذا الحديث قتل في ذي الحجة بالحرة عن سبعين سنة ، وكانت الحرة في آخر سنة ثلاث وستين وهو أحدي . وقال ابن منده وأبو أحمد الحاكم وأبو عبد الله صاحب المستدرك : إنه بدري ، وهو وهم ، وليس في الصحابة من اسمه عبد الله بن زيد بن عاصم سوى هذا ، وفيهم أربعة أخر اسم كل منهم عبد الله بن زيد منهم صاحب الأذان .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث والعنعنة . ومنها أن رجاله كلهم من رجال الكتب الستة إلا علي بن المديني فإنه من رجال البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي فقط . ومنها أنهم كلهم مدنيون خلا ابن المديني فإنه بصري ، وخلا سفيان فإنه مكي ، ومنها أن فيه رواية الصحابي عن الصحابي على قول من يعد عبادا صحابيا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وعن عباد " معطوف على قوله : " عن سعيد بن المسيب " لأن الزهري رحمه الله يروي عن سعيد وعباد كليهما ، وكلاهما يرويان عن عم عباد المذكور فقوله : عن عمه ، يتعلق بهما .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : وقع في رواية كريمة عن سعيد بن المسيب عن عباد بدون واو العطف .

                                                                                                                                                                                  قلت : هو غلط قطعا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا ، فتنبه لذلك .

                                                                                                                                                                                  ( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر عن أبي الوليد عن سفيان به ، وأخرجه في البيوع عن أبي نعيم عن ابن عيينة ، عن الزهري به ، وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعمرو الناقد عن سفيان عن الزهري ، وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة ، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف عن سفيان ، وأخرجه النسائي فيه أيضا عن قتيبة ، ومحمد بن منصور عن سفيان ، وأخرجه ابن ماجه فيه ، عن محمد بن الصباح عن سفيان .

                                                                                                                                                                                  ( بيان اللغات ) قوله : " شكى " من شكوت فلانا أشكوه شكوا وشكاية وشكية وشكاة إذا أخبرت عنه بسوء فعله فهو مشكو وشكي ، والاسم الشكوى والياء في شكى منقلبة عن واو وأصله شكو بدليل يشكو ، والشكوى ويجوز أن تكون أصلية غير منقلبة في لغة من قال شكى يشكي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يخيل " على صيغة المجهول أي : يشبه ويخايل ، وفلان [ ص: 252 ] يمضي على المخيل أي : على ما خيلت أي : شبهت يعني على غرر من غير تعين ، وخيل إليه أنه كذا على ما لم يسم فاعله من التخييل والوهم ، قال الله تعالى : يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا ينفتل " بالفاء واللام من الانفتال وهو الانصراف ، يقال : فتله فانفتل أي : صرفه فانصرف ، وهو قلب لفت .

                                                                                                                                                                                  ( بيان الإعراب ) قوله : " شكى " جملة في محل الرفع على أنها خبر أن وهو صيغة المعلوم والضمير فيه يرجع إلى عبد الله بن زيد عم عباد لأنه هو الشاكي ، وقوله " الرجل " بالنصب مفعوله ، وضبطه النووي في شرح مسلم رواية مسلم عن عمه " شكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه " الحديث فقال : " شكي " بضم الشين وكسر الكاف " والرجل " مرفوع ثم قال : ولم يسم هنا الشاكي ، وجاء في رواية البخاري أنه عبد الله بن زيد الراوي قال : ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن شكي بفتح الشين والكاف ، ويجعل الشاكي عمه المذكور ، فإن هذا الوهم غلط .

                                                                                                                                                                                  قلت : دعوى الغلط غلط بل يجوز الوجهان ، شكى بصيغة المعلوم والشاكي هو عبد الله بن زيد ، والرجل حينئذ بالنصب مفعوله ، وشكي بصيغة المجهول والشاكي غير معلوم ، والرجل حينئذ بالرفع على أنه مفعول ناب عن الفاعل ، وقال الكرماني : الرجل هو فاعل شكى وهو غلط لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الذي يخيل إليه " موصول مع صلته صفة في محل الرفع أو النصب على تقدير الوجهين في الرجل ، وفي بعض النسخ " الرجل يخيل إليه " بدون الذي ، وقال الكرماني : ويحتمل أن يكون الذي يخيل مفعول شكى .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا الاحتمال بعيد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أنه يجد الشيء " أن مع اسمها وخبرها مفعول لقوله : " يخيل " ناب عن الفاعل وقوله " يجد " في محل الرفع لأنه خبر أن . وقوله " الشيء " بالنصب لأنه مفعول يجد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقال " أي : رسول الله عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا ينفتل " قال الكرماني : روي مرفوعا بأنه نفي ومجزوما بأنه نهي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى " للغاية بمعنى إلى أن يسمع ويسمع بالنصب بتقدير أن الناصبة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو يجد " بالنصب أيضا لأنه عطف على ما قبله من المنصوب .

                                                                                                                                                                                  ( بيان المعاني ) قوله : " يجد الشيء " أي : خارجا من الدبر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو لا ينصرف " كلمة أو للشك من الراوي . قال الكرماني : والظاهر أنه من عبد الله بن زيد .

                                                                                                                                                                                  قلت : يجوز أن يكون ممن دونه من الرواة ، ووقع في كتاب الخطابي : ولا ينصرف بحذف الهمزة ، وفي رواية للبخاري : لا ينصرف من غير شك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى يسمع صوتا " أي : من الدبر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أو يجد ريحا " أي : من الدبر أيضا وكلمة أو للتنويع ، قال الإسماعيلي : هذا من رسول الله عليه الصلاة والسلام فيمن شك في خروج ريح منه لا نفي الوضوء إلا من سماع صوت أو وجدان ريح ، وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء أحدكم الشيطان فقال : إنك أحدثت ، فليقل : كذبت ، إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه " . وفي مسند أحمد من حديث أبي سعيد أيضا : " إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ شعرة من دبره فيمدها ، فيرى أنه أحدث ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا " .

                                                                                                                                                                                  وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ، وقال ابن خزيمة : قوله : " فليقل كذبت " أراد فليقل : كذبت بضميره لا بنطق بلسانه إذ المصلي غير جائز له أن يقول : كذبت ، نطقا .

                                                                                                                                                                                  قلت : ويؤيد ما قاله ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد أيضا مرفوعا " إذا جاء أحدكم الشيطان فقال : إنك قد أحدثت فليقل في نفسه كذبت " ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة يرفعه " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا ، فلا يخرجن من المسجد " ، وفي رواية الترمذي " فوجد ريحا بين النتنة " ، وفي علل ابن أبي حاتم " فوجد ريحا من نفسه " وفي كتاب الطهور لأبي عبيد القاسم بن سلام " يجد الشيء في مقعدته " قال : لا يتوضأ إلا أن يجد ريحا يعرفها أو صوتا يسمعه " وروى ابن ماجه بسند فيه ضعف ، عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : رأيت السائب بن يزيد يشم ثوبه ، فقلت : مم ذلك ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " لا وضوء إلا من ريح أو سماع " . وروى أبو داود من حديث علي بن طلق يرفعه " إذا فسا أحدكم فليتوضأ " . قال مهنى : قال أبو عبيد الله : عاصم الأحول يخطئ في هذا الحديث ، يقول علي بن طلق : وإنما هو طلق بن علي وأبى ذلك البخاري فقال فيما ذكره أبو عيسى عنه في العلل : وذكر حديث علي بن طلق هذا بلفظ " جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : إنا نكون بالبادية فيكون من أحدنا الرويحة ، فقال : إن الله تعالى لا يستحيي من الحق ، إذا فسى أحدكم فليتوضأ " فقال : لا أعرف [ ص: 253 ] لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث ، وهو عندي غير طلق بن علي ، ولا يعرف هذا من حديث طلق بن علي ، ولما ذكره الترمذي في الجامع من حديث علي بن طلق ، حسنه وذكره ابن حبان في صحيحه بلفظ " إذا فسى أحدكم في الصلاة فلينصرف ثم ليتوضأ وليعد صلاته " ثم قال : لم يقل أحد : وليعد صلاته ، إلا جرير بن عبد الحميد ، وقال أبو عبيد في كتاب الطهور : إنما هو عندنا علي بن طلق لأنه حديثه المعروف ، وكان رجلا من بني حنيفة ، وأحسبه والد طلق بن علي الذي سأل عن مس الذكر ، وممن ذكره في مسند علي بن طلق أحمد بن منيع في مسنده والنسائي والكجي في سننيهما وأبو الحسين بن قانع في آخرين .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن حقيقة المعنى في قوله : " حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " حتى يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بالإجماع ، فإن الأصم لا يسمع صوتا ، والأخشم الذي راحت حاسة شمه لا يشم أصلا . وقال الخطابي : لم يرد بذكر هذين النوعين من الحدث تخصيصهما وقصر الحكم عليهما حتى لا يحدث بغيرهما ، وإنما هو جواب خرج على حرف المسألة التي سأل عنها السائل ، وقد دخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين ، وقد يخرج منه الريح ولا يسمع لها صوت ولا يجد لها ريحا ، فيكون عليه استئناف الوضوء إذا تيقن ذلك ، وقد يكون بأذنه وقر فلا يسمع الصوت أو يكون أخشم فلا يجد الريح ، والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى ، وهذا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه ، لم يرد تخصيص الاستهلال الذي هو الصوت دون غيره من أمارات الحياة من حركة وقبض وبسط ونحوها .

                                                                                                                                                                                  ( بيان استنباط الأحكام ) :

                                                                                                                                                                                  الأول : أن هذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة من قواعد الفقه ، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها ، والعلماء متفقون على هذه القاعدة ولكنهم مختلفون في كيفية استعمالها مثاله مسألة الباب التي دل عليها الحديث ، وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث يحكم ببقائه على الطهارة سواء حصل الشك في الصلاة أو خارجها ، وهذا بالإجماع بين الفقهاء إلا عن مالك روايتان : إحداهما أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة ، ولا يلزمه إن كان في الصلاة . والأخرى : يلزمه بكل حال ، وحكيت الأولى عن الحسن البصري وهو وجه شاذ عند الشافعية ذكره الرافعي والنووي في الروضة ، وحكيت الثانية أيضا وجها للشافعية وهو غريب . وعن مالك رواية ثالثة رواها ابن قانع عنه أنه لا وضوء عليه كما قاله الجمهور ، وحكاها ابن بطال عنه ، ونقل القاضي ثم القرطبي عن ابن حبيب المالكي أن هذا الشك في الريح دون غيره من الأحداث ، وكأنه تبع ظاهر الحديث واعتذر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحل منه شيء بخلاف البول والغائط ، وعن بعض أصحاب مالك أنه إن كان الشك في سبب حاضر كما في الحديث طرح الشك ، وإن كان في سبب متقدم فلا ، وأما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بالإجماع ، وعلى هذا الأصل من شك في طلاق زوجته أو عتق عبده أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس أو نجاسة الثوب أو غيره أو أنه صلى ثلاثا أو أربعا أو أنه ركع أو سجد أم لا أو نوى الصوم أو الصلاة أو الاعتكاف وهو في أثناء هذه العبادات ، وما أشبه هذه الأمثلة ، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها ، والأصل عدم الحادث .

                                                                                                                                                                                  وقالت الشافعية : تستثنى من هذه القاعدة بضع عشرة مسألة :

                                                                                                                                                                                  منها من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها قيل أو فيها ، ومن شك في ترك بعض وضوء أو صلاة بعد الفراغ لا أثر له على الأصح .

                                                                                                                                                                                  ومنها عشر ذكرهن ابن القاص بتشديد الصاد المهملة من الشافعية في مدة خف وإن إمامه مسافر أو وصل وطنه أو نوى إقامة ، ومسح مستحاضة ، وثوب خفيت نجاسته ، ومسألة الظبية ، وبطلان التيمم بتوهم الماء ، وتحريم صيد جرحه فغاب فوجده ميتا ، قال القفال : لم يعمل بالشك في شيء منها لأن الأصل في الأولى الغسل ، وفي الثانية الإتمام ، وكذا في الثالثة والرابعة إن أوجبناه ، والخامسة والسادسة اشتراط الطهارة ولو ظنا أو استصحابا ، والسابعة بقاء النجاسة والثامنة لقوة الظن ، والتاسعة للشك في شرط التيمم وهو عدم الماء ، وفي الصيد تحريمه إن قلنا به .

                                                                                                                                                                                  الثاني : من الأحكام ما قالته الشافعية لا فرق في الشك بين تساوي الاحتمالين في وجوب الحدث وعدمه ، وبين ترجيح أحدهما وغلبة الظن في أنه لا وضوء عليه ، فالشك عندهم خلاف اليقين وإن كان خلاف الاصطلاح الأصولي ، وقولهم موافق لقول أهل اللغة الشك خلاف اليقين ، نعم يستحب الوضوء احتياطا فلو بان حدثه أولا فوجهان : أصحهما لا يجزيه هذا الوضوء لتردده في نيته بخلاف ما إذا تيقن الحدث ، وشك في الطهارة فتوضأ ، ثم بان محدثا فإنه يجزيه قطعا ; [ ص: 254 ] لأن الأصل بقاء الحدث ، فلا يضر التردد معه ولو تيقن الطهارة والحدث معا ، وشك في السابق منهما ، فأوجه أصحها أنه يأخذ بضد ما قبلهما إن عرفه ، فإن لم يعرفه لزمه الوضوء مطلقا .

                                                                                                                                                                                  الثالث : قال الخطابي : فيه حجة لمن أوجب الحد على من وجدت منه رائحة المسكر ، وإن لم يشاهد شربه ولا شهد عليه الشهود ولا اعترف به .

                                                                                                                                                                                  قلت : فيه نظر ; لأن الحدود تدرأ بالشبهة ، والشبهة هنا قائمة فافهم .

                                                                                                                                                                                  الرابع : فيه مشروعية سؤال العلماء عما يحدث من الوقائع وجواب السائل .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه ترك الاستحياء في العلم وأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلمهم كل شيء ، وأنه يصلي بوضوء صلوات ما لم يحدث .

                                                                                                                                                                                  السادس : فيه قبول خبر الواحد .

                                                                                                                                                                                  السابع : فيه أن من كان على حال لا ينتقل عنه إلا بوجود خلافه .

                                                                                                                                                                                  الثامن : فيه أنهم كانوا يشكون إلى النبي عليه السلام جميع ما ينزل بهم .

                                                                                                                                                                                  التاسع : استدل به بعضهم على أن رؤية المتيمم الماء في صلاته لا ينقض طهارته .

                                                                                                                                                                                  قلت : لا يصح الاستدلال به لأنه ليس من باب ما ذكرناه من أن المعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى ; لأنه هو فيما يقع تحت الجنس الواحد ، ولا شك أن المقصود به جنس الخارجات من البدن ، فالتعدي إلى غير الجنس المقصود به اغتصاب الأحكام .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية