الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1558 226 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما دخل ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره في الدار، فقال: إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت، فلو أقمت، فقال: قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فإن حيل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ثم قال: أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حجا، قال: ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "فطاف لهما طوافا واحدا" وهذا طواف القارن عنده كما ذهب إليه الشافعي، ومن قال بقوله.

                                                                                                                                                                                  ذكر [ ص: 282 ] رجاله وهم خمسة:

                                                                                                                                                                                  الأول: يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي، يكنى بأبي يوسف.

                                                                                                                                                                                  الثاني: إسماعيل بن علية -بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف- وهو اسم أمه، وأبوه إبراهيم بن سهم، وقد مر غير مرة.

                                                                                                                                                                                  الثالث: أيوب السختياني، وقد مر غير مرة.

                                                                                                                                                                                  الرابع: نافع مولى ابن عمر.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين.

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في موضعين.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن شيخه هو شيخ مسلم أيضا، وينسب إلى دورق، فيقال له: الدورقي، وليس من بلد دورق، وإنما كانوا يلبسون قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إليها.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن ابن علية وأيوب بصريان ونافعا مدني.

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره:

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الحج، عن أبي النعمان، عن حماد.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم فيه عن أبي الربيع وأبي كامل.

                                                                                                                                                                                  وعن علي بن حجر وزهير بن حرب.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: "دخل ابنه" أي ابن عبد الله بن عمر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عبد الله بن عبد الله" هو بيان له.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وظهره" بالرفع مبتدأ، وقوله "في الدار" خبره، والجملة وقعت حالا، والمراد من الظهر مركوبه الذي يركبه من الإبل.

                                                                                                                                                                                  وحاصل المعنى أن عبد الله بن عمر كان عازما على الحج وأحضر مركوبه ليركب عليه ويتوجه، فقال له ابنه عبد الله: إني لا آمن أن يكون العام -أي في هذا العام- قتال فيصدوك -أي يمنعوك- عن البيت، وذلك كان في عام نزل الحجاج لقتال عبد الله بن الزبير، وصرح بذلك مسلم في روايته، فقال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى وهو القطان، عن عبيد الله قال: "حدثني نافع أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير قالا: لا يضرك أن لا تحج العام، فإنا نخشى أن يكون بين الناس قتال يحال بينك وبين البيت، قال: إن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا معه، حين حالت كفار قريش بينه وبين البيت، أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، فانطلق" الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إني لا آمن" بالمد وفتح الميم المخففة، أي أخاف، هذه رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي "إني لا إيمن" بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الميم، وهي لغة تميم، فإنهم يكسرون الهمزة في أول مستقبل ماضيه على فعل بالكسر، ولا يكسرون إذا كان ماضيه بالفتح إلا أن يكون فيه حرف حلق، نحو: اذهب والحق.

                                                                                                                                                                                  وقيل: قوله: "لا إيمن" بالكسر إمالة، ووقع في بعض الكتب "لا أيمن" بالفتح والياء ولا وجه له. فاعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلو أقمت" يحتمل أن يكون كلمة "لو" للتمني فلا تحتاج إلى جواب، ويحتمل أن تكون للشرط وجزاؤه محذوف، أي فلو أقمت في هذه السنة وتركت الحج لكان خيرا لعدم الأمن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال" أي عبد الله بن عمر لابنه عبد الله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أفعل" بالجزم لأنه جزاء، والجزم فيه واجب، ويجوز فيه الرفع على تقدير: أنا أفعل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني في الحديبية حين منعوه عن دخول مكة، وقصته مشهورة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم قدم" أي إلى مكة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لهما" أي للعمرة والحج، وبه احتج الشافعي ومن معه في أن القارن يكفي له طواف واحد ولا حجة لهم فيه; لأن المراد من هذا الطواف طواف القدوم.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية