الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1683 350 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قد ذكرنا أن الترجمة مشتملة على وجوب العمرة وفضلها، وذكر ما يدل على وجوبها، وهما الأثران المذكوران عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، ثم ذكر هنا عن أبي هريرة ما يدل على فضلها، وقد بوب الترمذي بابا في فضل العمرة، فقال: باب ما جاء في فضل العمرة، ثم روى حديث أبي هريرة المذكور عن أبي كريب عن وكيع، عن سفيان، عن سمي.. إلى آخره نحو رواية البخاري، وأخرجه مسلم أيضا كرواية الترمذي، وأخرجه أيضا النسائي من رواية سفيان بن عيينة عن سمي، ومن رواية سهيل بن أبي صالح عن سمي، وأخرجه مسلم أيضا من رواية عبيد الله بن عمر عن سمي، وهو مشهور من حديث سمي، وهو بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء، وقد مر في الصلاة. وأبو صالح السمان هو ذكوان الزيات، وقد تكرر ذكره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما" ؛ أي: من الذنوب دون الكبائر كما في قوله: " الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما"، وقال ابن التين: يحتمل أن تكون "إلى" بمعنى "مع" كما في قوله تعالى: " إلى أموالكم " و" من أنصاري إلى الله ".

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): الذي يكفر ما بين العمرتين العمرة الأولى أو العمرة الثانية.

                                                                                                                                                                                  (قلت): ظاهر الحديث أن العمرة الأولى هي المكفرة؛ لأنها هي التي [ ص: 109 ] وقع الخبر عنها أنها تكفر، ولكن الظاهر من حيث المعنى أن العمرة الثانية هي التي تكفر ما قبلها إلى العمرة التي قبلها، فإن التكفير قبل وقوع الذنب خلاف الظاهر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " والحج المبرور" المبرور من بره؛ إذا أحسن إليه، ثم قيل: بر الله عمله؛ إذا قبله، كأنه أحسن إلى عمله بأن قبله ولم يرده، واختلفوا في المراد بالحج المبرور، فقيل: هو الذي لا يخالطه شيء من مأثم، وقيل: هو المتقبل، وقيل: هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث، ولا فسوق، وقيل: الذي لم يتعقبه معصية، وقد ورد تفسير الحج المبرور بغير هذه الأقوال، وهو ما روى محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فقيل: يا رسول الله، ما بر الحج؟ قال: إفشاء السلام، وإطعام الطعام. وفي رواية فيه بدل " إفشاء السلام: وطيب الكلام" وفي رواية: " ولين الكلام" وهو في مسند أحمد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ليس له جزاء إلا الجنة" ؛ أي: لا يقصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة.

                                                                                                                                                                                  وقد ورد في ثواب الحج والعمرة أحاديث، منها ما رواه الترمذي من حديث شقيق عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة . ورواه النسائي أيضا، ولما رواه الترمذي قال: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب من حديث عبد الله بن مسعود، وقال: وفي الباب عن عمر، وعامر بن ربيعة، وأبي هريرة، وعبد الله بن حبيش، وأم سلمة، وجابر رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  (قلت): حديث عمر رواه ابن ماجه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد. وحديث عامر بن ربيعة رواه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تابعوا.. فذكره.

                                                                                                                                                                                  وحديث أبي هريرة أخرجه الجماعة خلا أبا داود من طرق عن منصور، وحديث عبد الله بن حبيش الخثعمي رواه أحمد والنسائي من رواية علي الأزدي عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن حبيش الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة.. وذكر الحديث، وأصله عند أبي داود رحمه الله، وحديث أم سلمة رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا قاسم بن الفضل عن أبي جعفر عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحج جهاد كل ضعيف، وأبو جعفر هو الباقر اسمه: محمد بن علي بن الحسين، ولم يسمع من أم سلمة، وحديث جابر رضي الله تعالى عنه رواه ابن عدي في الكامل من حديث محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا: تابعوا بين الحج والعمرة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية