الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1691 360 - حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا أبو معاوية قال: حدثنا هشام، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فقال لنا: من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل، ومن أحب أن يهل بعمرة فليهل بعمرة، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة، قالت: فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، وكنت ممن أهل [ ص: 119 ] بعمرة فأظلني يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارفضي عمرتك، وانقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج، فلما كان ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم، فأهللت بعمرة مكان عمرتي.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فلما كان ليلة الحصبة.." إلى آخره، وهذا الحديث قد مر غير مرة، وذكره في كتاب الحيض في ثلاثة أبواب، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير البصري، وهشام هو ابن عروة، وأبوه عروة ابن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " موافين" ؛ أي: مكملين ذا القعدة مستقبلين لهلال ذي الحجة، قال الجوهري: يقال: وافى فلان؛ إذا أتى، ويقال: وفي إذا تم، وقد سبق الكلام فيه هناك مستوفى، وعند الترجمة أيضا، ومن حديث الباب استحب مالك للحاج أن يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان وعد عائشة بالعمرة، وقال لها: كوني في حجك عسى الله أن يرزقكها، ولو استحب لها العمرة في أيام التشريق لأمرها بالعمرة فيها، وبه قال الشافعي، وإنما كرهت العمرة فيها للحاج خاصة؛ لئلا يدخل عملا على عمل، لأنه لم يكمل عمل الحج بعد، ومن أحرم بالحج فلا يحرم بالعمرة؛ لأنه لا تضاف العمرة إلى الحج عند مالك وطائفة من العلماء، وأما من ليس بحاج فلا يمنع من ذلك.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): قد روى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في هذا الباب: " وكنت ممن أهل بعمرة"، وروى مثله يحيى القطان عن هشام في الباب بعد هذا، وهذا بخلاف ما تقدم عن عائشة أنها أهلت بالحج.

                                                                                                                                                                                  (قلت): أحاديث عائشة قد أشكلت على الأئمة قديما، فمنهم من جعل الاضطراب فيها من قبلها، ومنهم من جعله من قبل الرواة عنها، وقد مر الكلام فيه فيما مضى غير مرة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية