الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1703 372 - (حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة هي أنه تفسير لها، وهو ظاهر.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن إسماعيل، وأخرجه [ ص: 132 ] مسلم في الحج أيضا عن ابن أبي عمر، عن معن بن عيسى، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي، وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين، ولفظ مسلم: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا ثم قال: لا إله إلا الله".. إلى آخره، وأخرجه الترمذي من حديث البراء وصححه، وروى أبو نعيم الحافظ: " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يريد سفرا: أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف"، وعن أنس: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفا قال: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال"، وعن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفره قال: آيبون تائبون لربنا حامدون، فإذا دخل على أهله قال: توبا توبا أوبا أوبا لا يغادر علينا حوبا"، وروى الدارقطني عن جابر: " كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: (إذا قفل)، قال في المحكم: قفل القوم يقفلون قفولا، ورجل قافل من قوم قفال، والقفول الرجوع، وفي شرح الفصيح لابن هشام: القافلة الراجعة، فإن كانت خارجة فهي الصائبة سميت بذلك على وجه التفاؤل كأنها تصيب كل ما خرجت إليه، وفي الجامع: يقفلون ويقفلون، ولا يكون القافل إلا الراجع إلى وطنه، وفي الفصيح: أقفلت الجند، وقفلوا هم. وفي النهاية: يقال للسفر: قفول في الذهاب والمجيء. وأكثر ما يستعملون في الرجوع، ويقال: قفل؛ إذا رجع، ومنه تسمى القافلة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (على كل شرف) بفتحتين، وهو المكان العالي، وقال الجوهري: جبل مشرف عال، وقال الفراء: أشرف الشيء: علا وارتفع. وفي المحكم: أشرف الشيء وعلا الشيء: علاه وأشرف عليه. قوله: (آيبون)؛ أي: راجعون إلى الله، وفيه إيهام معنى الرجوع إلى الوطن يقال: آب إلى الشيء أوبا وإيابا؛ أي: رجع، وأوبته إليه وأبت به، وقيل: لا يكون الإياب إلا الرجوع إلى أهله ليلا. وفي المعاني عن أبي زيد: آب يؤوب إيابا وإيابة؛ إذا تهيأ للذهاب وتجهز، وقال غيره: آب يئيب آييبا، وإيتيب إيتبابا؛ إذا تهيأ. وارتفاع (آيبون) على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: نحن آيبون، وكذا ارتفاع (تائبون)، و(عابدون)، و(ساجدون)؛ قوله: (تائبون) من التوبة، وهو رجوع عما هو مذموم شرعا إلى ما هو محمود شرعا. قوله: (لربنا) إما خاص بقوله: (ساجدون)، وإما عام لسائر الصفات على سبيل التنازع. قوله: (وهزم الأحزاب)؛ أي: هزمهم يوم الأحزاب، والأحزاب هم الطائفة المتفرقة الذين اجتمعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب المدينة فهزمهم الله تعالى بلا مقاتلة، وإيجاف خيل ولا ركاب. وقال عياض: ويحتمل أن يريد أحزاب الكفرة في جميع الأيام والمواطن، ويحتمل أن يريد الدعاء كأنه قال: اللهم افعل ذلك وحدك، وخص استعمال هذا الذكر هنا؛ لأنه أفضل ما قاله النبيون قبله.

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفقه استعمال حمد الله تعالى، والإقرار بنعمه والخضوع له، والثناء عليه عند القدوم من الحج والجهاد على ما وهب من تمام المناسك وما رزق من النصر على العدو والرجوع إلى الوطن سالمين، وكذلك إحداث حمد الله تعالى والشكر له على ما يحدث لعباده من نعمه، فقد رضي من عباده بالإقرار له بالوحدانية والخضوع له بالربوبية، والحمد والشكر عوضا عما وهبهم من نعمه تفضلا عليهم ورحمة لهم، وفيه بيان أن نهيه عن السجع في الدعاء على غير التحريم لوجود السجع في دعائه ودعاء أصحابه، ويحتمل أن يكون نهيه عن السجع مختصا بوقت الدعاء خشية أن يشتغل الداعي بطلب الألفاظ المناسبة للسجع ورعاية الفواصل عن إخلاص النية وإفراغ القلب في الدعاء والاجتهاد فيه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية