الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1718 (وقال مالك وغيره: ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان، ولا قضاء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف، وقبل أن يصل الهدي إلى البيت، ثم لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا أن يقضوا شيئا، ولا يعودوا له، والحديبية خارج الحرم).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الذي قال مالك مذكور في موطئه ولفظه: " أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي، وحلقوا رؤوسهم، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي"، ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا، ولا أن يعودوا لشيء. قوله: (وغيره) أي: غير مالك، قال بعضهم: الذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي؛ لأن قوله في آخره: (والحديبية خارج الحرم) هو كلام الشافعي في الأم. انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: قوله (والحديبية خارج الحرم) لا يدل على أن المراد من الغير هو الشافعي؛ لأن الشافعي نقل عنه أيضا أن بعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم، فإذا كان كذلك كيف يجوز أن يترك الموضع الذي من الحرم من كالحديبية وينحر في الحل؟ والحال أن بلوغ الكعبة صفة للهدي في قوله تعالى: هديا بالغ الكعبة

                                                                                                                                                                                  وقد قال ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا أبو أسامة عن أبي عميس عن عطاء قال: كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية في الحرم، فإذا كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم في الحرم، كيف ينحر هديه في الحل؟ وهذا محال. قوله: (في أي موضع كان)، ويروى: " في أي المواضع"، وقال الكرماني: كان أي الحصر لا الحلق. قلت: إنما فسر بهذا لأجل مذهبه، وليس كذلك، بل الضمير في "كان" يرجع إلى الحلق الذي يدل عليه قوله: " ويحلق" .

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا يعودوا له) كلمة "لا" زائدة كقوله تعالى: ما منعك ألا تسجد ؛ قوله: (والحديبية خارج الحرم)؛ قال الكرماني: هذه الجملة يحتمل أن تكون من تتمة كلام مالك، وأن تكون من كلام البخاري، وغرضه الرد على من قال: لا يجوز النحر حيث أحصر، بل يجب البعث إلى الحرم، فلما ألزموا بنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم أجابوا بأن الحديبية إنما هي من الحرم فرد ذلك عليهم. انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذه الجملة سواء كانت من كلام مالك أو من كلام البخاري لا تدل على غرضه؛ لأن كون الحديبية خارج الحرم ليس مجمعا عليه، وقد روى الطحاوي من حديث الزهري عن عروة، عن المسور "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية خباؤه في الحل، ومصلاه في الحرم"، ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هديه دون الحرم.

                                                                                                                                                                                  وروى البيهقي من حديث يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير عن مروان، والمسور بن مخرمة قالا: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه..." الحديث بطوله، وفيه: " وكان مضطربه في الحل، وكان يصلي في الحرم". انتهى. قلت: المضطرب هو البناء الذي يضرب ويقام على أوتاد مضروبة في الأرض، والخباء، بكسر الخاء، بيت من صوف أو وبر، والجمع أخبية، وإذا كان من شعر يسمى بيتا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية