الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1741 413 - حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا الليث قال، حدثنا نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران، ولا الورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس"، وعبد الله بن يزيد - من الزيادة- المقرئ مولى آل عمر، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقد ذكر هذا الحديث في آخر كتاب العلم في باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله: عن آدم، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، وذكره أيضا في أوائل الحج في باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن نافع، وزاد فيه هاهنا: " ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين". قوله: " القفازين" تثنية قفاز، بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي، وقال ابن سيده: هو ضرب من الحلي، وتقفزت المرأة: نقشت يديها ورجليها بالحناء، وقال القزاز: القفاز تلبس في الكف، وقال ابن فارس، وابن دريد: هو ضرب من الحلي تتخذه المرأة في يديها ورجليها، وفي الصحاح: بالضم والتشديد: شيء يعمل لليدين، يحشى بقطن، ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد، تلبسه المرأة في يديها، وفي الغريبين: تلبسه نساء الأعراب في أيديهن؛ لتغطية الأصابع والكف.

                                                                                                                                                                                  وفي المغرب: هو شيء يتخذه الصائد في يديه من جلد أو لبد، وهذا الحديث يشتمل على أحكام قد ذكرناها في آخر كتاب العلم.

                                                                                                                                                                                  فقوله: " القميص" ، ويروى: "القمص" بضمتين وسكون الميم أيضا، جمع قميص، والبرانس جمع برنس، وهو ثوب رأسه ملتزق. قوله: " وليقطع أسفل من الكعبين" ، وعن أحمد: لا يلزمه قطعهما في المشهور عنه. قال ابن قدامة: وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه- وبه قال عطاء، وعكرمة، وسعيد بن سالم القداح، احتج أحمد بحديث ابن عباس من عند البخاري: " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين"، وحديث جابر مثله رواه مسلم عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس من سراويل".

                                                                                                                                                                                  وعند أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وآخرين: لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما كما في حديث الباب، وحديث ابن عباس وجابر مطلق يحمل على المقيد؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة، وقال ابن التين: ابن عباس حفظ لبس الخفين، ولم ينقل صفة اللبس، بخلاف ابن عمر فهو أولى.

                                                                                                                                                                                  وقد قيل: " فليقطعهما" من كلام نافع، كذا في أمالي أبي القاسم بن بشران بسند صحيح أن نافعا قال بعد روايته الحديث: وليقطع الخفين أسفل الكعبين ، وذكر ابن العربي، وابن التين أن جعفر بن برقان في روايته: قال نافع: ويقطع الخفاف أسفل من الكعبين، وقال ابن قدامة: وروى ابن أبي موسى عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رخص للمحرم أن يلبس الخفين، ولا يقطعهما، وكان ابن عمر يفتي بقطعهما، قالت صفية: فلما أخبرته بذلك رجع، وقال ابن قدامة: ويحتمل أن يكون [ ص: 199 ] الأمر بقطعهما قد نسخ، فإن عمرو بن دينار قد روى الحديثين جميعا، وقال: انظروا أيهما كان قبل؟ وقال الدارقطني: قال أبو بكر النيسابوري: حديث ابن عمر قبل؛ لأنه قد جاء في بعض رواياته: " نادى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المسجد" يعني بالمدينة، فكأنه كان قبل الإحرام.

                                                                                                                                                                                  وحديث ابن عباس يقول: " سمعته يخطب بعرفات..." الحديث، فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر، فيكون ناسخا له؛ لأنه لو كان القطع واجبا لبينه للناس؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وقال ابن الجوزي: روى حديث ابن عمر مالك، وعبيد الله، وأيوب في آخرين، فوقفوه على ابن عمر، وحديث ابن عباس سالم من الوقف مع ما عضده من حديث جابر، ويحمل قوله: " وليقطعهما" على الجواز من غير كراهة لأجل الإحرام، وينهى عن ذلك في غير الإحرام؛ لما فيه من الفساد، فأما إذا لبس الخف المقطوع من أسفل الكعب، مع وجود النعل، فعندنا أنه لا يجوز، ويجب عليه الفداء، خلافا لأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وقال ابن قدامة: والأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح، وخروجا من الخلاف، وأخذا بالاحتياط.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية