الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1874 [ ص: 89 ] 83 - حدثنا ابن مقاتل قال : أخبرنا عبد الله قال : أخبرنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله ، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ، فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : فلا تفعل ، صم وأفطر ، وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لعينك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام ، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها ، فإن ذلك صيام الدهر كله ، فشددت فشدد علي ، قلت : يا رسول الله ، إني أجد قوة ؟ قال : فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه ، قلت : وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام ؟ قال : نصف الدهر ، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر : يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله ( فإن لجسدك عليك حقا ) فالجسد والجسم واحد ، وابن مقاتل هو محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي المجاور بمكة ، وهو من أفراده ، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ألم أخبر ) الهمزة للاستفهام ، وأخبر على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أنك تصوم النهار وتقوم الليل ) أي : في الليل ، وفي رواية مسلم من رواية عكرمة بن عمار ، عن يحيى ، فقلت : بلى يا نبي الله ، ولم أرد بذلك إلا الخير . وفي الباب الذي يليه : أخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أني أقول : والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت . وفي رواية النسائي من طريق محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة قال لي عبد الله بن عمرو : يا ابن أخي إني قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهادا شديدا حتى قلت : لأصومن الدهر ، ولأقرأن القرآن في كل ليلة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فلا تفعل ) وزاد البخاري : فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين .. الحديث ، وقد مضى هذا في كتاب التهجد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إن لعينك عليك حقا ) بالإفراد في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : لعينيك بالتثنية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وإن بحسبك ) الباء فيه زائدة ، ومعناه أن أصوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك ، ويأتي في الأدب من طريق حسين المعلم ، عن يحيى : إن من حسبك .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أن تصوم ) أن مصدرية ، أي : حسبك الصوم من كل شهر ، وفي رواية الكشميهني : في كل شهر ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فإن لك ) ويروى : فإذا لك ، بالتنوين ، وهي التي يجاب بها أن ، وكذا لو صريحا أو تقديرا ، وإن هاهنا مقدرة ، تقديره : إن صمتها فإذا لك صوم الدهر .

                                                                                                                                                                                  وروى بلا تنوين بلفظ إذا للمفاجأة ، قال بعضهم : وفي توجيهها هنا تكلف .

                                                                                                                                                                                  قلت : لا تكلف أصلا ، ووجهه : أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة ، تقديره : إن صمت ثلاثة من كل شهر ، فاجأت عشر أمثالها كما في قوله تعالى : ثم إذا دعاكم الآية تقديره : ثم دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فإن ذلك ) أي : المذكور من صوم كل شهر ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فشددت ) أي : على نفسي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فشدد علي ) على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إني أجد قوة ) أي : على أكثر من ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال : فصم ) أي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت تجد قوة فصم صيام نبي الله داود عليه السلام .

                                                                                                                                                                                  قوله ( نصف الدهر ) أي : نصف صوم الدهر ، وهو أن تصوم يوما وتفطر يوما .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بعد ما كبر ) بكسر الباء ، يقال : كبر يكبر من باب علم يعلم هذا في السن ، وأما كبر بالضم بمعنى عظم ، فهو من باب حسن يحسن ، قال النووي : معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشق عليه فعله لعجزه ، ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له ، فتمنى أن لو قبل الرخصة ، فأخذ بالأخف .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية