الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1904 115 - حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو سلمة : أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرمضان : من قامه إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، ورجاله قد ذكروا غير مرة ، وعقيل بضم العين ابن خالد ، وابن شهاب محمد ابن مسلم ، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن ، والحديث مر في باب تطوع قيام رمضان من الإيمان في أوائل كتاب الإيمان ، فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قام رمضان إيمانا .. الحديث .

                                                                                                                                                                                  قوله ( عن ابن شهاب ) وفي رواية ابن القاسم عند النسائي : عن مالك ، حدثني ابن شهاب .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أخبرني أبو سلمة ) كذا رواه عقيل ، وتابعه يونس ، وشعيب ، وابن أبي ذئب ، ومعمر ، وغيرهم ، وخالفه مالك ، فقال : عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، بدل أبي سلمة ، وقد صح الطريقان عند البخاري ، فأخرجهما على الولاء ، وقد أخرجه النسائي من طريق جويرية بن أسماء ، عن مالك ، عن الزهري عنهما جميعا ، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه ، وصحح الطريقين ، وحكى أن أبا همام رواه عن ابن عيينة ، عن الزهري ، فخالف الجماعة ، فقال : عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( يقول لرمضان ) أي : لفضل رمضان أو لأجل رمضان ، قال بعضهم : يحتمل أن تكون اللام بمعنى عن ، أي : يقول عن رمضان .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا يبعد ، وإن كانت اللام تأتي بمعنى عن [ ص: 125 ] نحو : وقال الذين كفروا للذين آمنوا وجه البعد أن لفظ من مادة القول إذا استعمل بكلمة عن يكون بمعنى النقل ، وهذا بعيد جدا ، بل غير موجه ، ويجوز أن تكون اللام هنا بمعنى في ، أي : يقول في رمضان ، أي : في فضله ، ونحو ذلك ، وذلك كما في قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة أي : في يوم القيامة ، ويجوز أن يكون أيضا بمعنى عند ، أي : يقول عند رمضان أي عند مجيئه كما في قولهم : كتبته لخمس خلون أي عند خمس خلون ، قوله : إيمانا أي تصديقا بأنه حق، أي : معتقدا فضيلته . قاله النووي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( واحتسابا ) أي : طلبا للآخرة ، وقال الخطابي : أي نية وعزيمة ، وانتصابهما على الحال ، أي : مؤمنا ومحتسبا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) ظاهره يتناول كل ذنب من الكبائر والصغائر ، وبه قطع ابن المنذر ، وقال النووي : المعروف أنه يختص بالصغائر ، وبه قطع إمام الحرمين ، وقال القاضي عياض : هو مذهب أهل السنة ، وفي رواية النسائي من رواية قتيبة ، عن سفيان : وما تأخر ، وكذا زادها حامد بن يحيى عند قاسم بن أصبغ ، والحسين بن الحسن المروزي في كتاب الصيام له ، وهشام بن عمار في الجزء الثاني عشر من ( فوائده ) ، ويوسف بن يعقوب النجاحي في ( فوائده ) ، كلهم عن ابن عيينة ، ووردت هذه الزيادة أيضا من طريق أبي سلمة من وجه آخر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي هريرة ، وقد وردت هذه الزيادة - أعني لفظ وما تأخر - في عدة أحاديث .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : المغفرة تستدعي سبق شيء من ذنب ، والمتأخر من الذنوب لم يأت ، فكيف يغفر ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا كناية عن حفظ الله إياهم من الكبائر ، فلا يقع منهم كبيرة بعد ذلك ، وقيل : معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية