الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1943 2 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن قال: ثم تابع الغدو فما لبث [ ص: 163 ] أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجت؟ قال: نعم، قال: ومن؟ قال: امرأة من الأنصار، قال: كم سقت؟ قال: زنة نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "هل من سوق فيه تجارة" وعبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس القرشي العامري الأويسي المدني، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف كان على قضاء بغداد، وأبوه سعد بن إبراهيم أبو إسحاق القرشي المدني، وجده إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق المدني.

                                                                                                                                                                                  ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون وظاهره الإرسال; لأنه إن كان الضمير في جده يعود إلى إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن فيكون الجد فيه إبراهيم بن عبد الرحمن، وإبراهيم لم يشهد أمر المؤاخاة لأنه توفي بعد التسعين بغير خلاف، وعمره خمس وسبعون سنة، وعلى تقدير صحة قول من قال "ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم" فلم تصح له رواية عنه، وأمر المؤاخاة كان حين الهجرة، وإن عاد الضمير إلى جد سعد فيكون على هذا سعد روى عن جده عبد الرحمن، وهذا لا يصح؛ لأن عبد الرحمن بن عوف توفي سنة اثنتين وثلاثين، وتوفي سعد سنة ست وعشرين ومائة عن ثلاث وسبعين سنة، ولكن الحديث المذكور هنا متصل؛ لأن إبراهيم قال فيه: قال عبد الرحمن بن عوف: يوضح ذلك ما رواه أبو نعيم الحافظ عن أبي بكر الطلحي عن حصين الوادعي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال: "لما قدمنا المدينة" الحديث، وكذا ذكره أبو العباس الطرقي وأصحاب الأطراف.

                                                                                                                                                                                  "ذكر معناه":

                                                                                                                                                                                  قوله: "آخى" من المؤاخاة قال القرطبي: المؤاخاة مفاعلة من الأخوة، ومعناها أن يتعاقد الرجلان على التناصر والمواساة حتى يصيرا كالأخوين نسبا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وبين سعد بن الربيع" ضد الخريف الأنصاري الخزرجي النقيب العقبي البدري، استشهد يوم أحد، وهذه المؤاخاة ذكرها ابن إسحاق في أول سنة من سني الهجرة بين المهاجرين والأنصار، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه مرتين مرة بمكة قبل الهجرة وأخرى بعد الهجرة، قال أبو عمر: الصحيح أن المؤاخاة في المدينة بعد بناء المسجد فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وقيل: كان ذلك والمسجد يبنى، وقيل: بعد قدومه المدينة بخمسة أشهر، وفي تاريخ ابن أبي خيثمة، عن زيد بن أوفى أنها كانت في المسجد، وكانوا مائة، خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار، وقال أبو الفرج: وللمؤاخاة سببان:

                                                                                                                                                                                  أحدهما: أنه أجراهم على ما كانوا ألفوا في الجاهلية من الحلف، فإنهم كانوا يتوارثون به، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا حلف في الإسلام" وأثبت المؤاخاة; لأن الإنسان إذا فطم عما يألفه يخنس.

                                                                                                                                                                                  الثاني: أن المهاجرين قدموا محتاجين إلى المال وإلى المنزل فنزلوا على الأنصار، فأكد هذه المخالطة بالمؤاخاة، ولم تكن بعد بدر مؤاخاة; لأن الغنائم استغني بها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أي زوجتي" بلفظ المثنى المضاف إلى ياء المتكلم، وأي إذا أضيف إلى المؤنث يذكر ويؤنث، يقال: أي امرأة وأية امرأة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هويت" أي: أردت من هوي بالكسر يهوى هوى إذا أحب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "نزلت لك عنها" أي: طلقتها لك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فإذا حلت" أي: انقضت عدتها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "سوق قينقاع" بفتح القاف الأولى وسكون الياء آخر الحروف وضم النون وبالقاف وفي آخره عين مهملة منصرفا وغير منصرف، وهو بطن من اليهود، والمرأة التي تزوجها عبد الرحمن هي ابنة أبي الحيسر أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، قال الزبير: ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "تابع الغدو" وبلفظ المصدر أي: غدا اليوم الثاني، والمتابعة إلحاق الشيء بغيره، ويروى بلفظ الغد ضد الأمس.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أثر صفرة" أي: الطيب الذي استعمل عند الزفاف، وفي لفظ له على ما يأتي: "وعليه وضر من صفرة" بفتح الواو والضاد المعجمة هو التلطخ بخلوق أو طيب له لون، وقد صرح به في بعض الروايات بأنه أثر زعفران.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: جاء النهي عن التزعفر فما الجمع بينهما؟

                                                                                                                                                                                  قلت: كان يسيرا فلم ينكره، وقيل: إن ذلك علق من ثوب المرأة من غير قصد، وقيل: كان في أول الإسلام أن [ ص: 164 ] من تزوج لبس ثوبا مصبوغا لسروره وزواجه، وقيل: كانت المرأة تكسوه إياه، وقيل: إنه كان يفعل ذلك ليعان على الوليمة، وقال ابن العباس: أحسن الألوان الصفرة، وقال عز وجل: صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قال: فقرن السرور بالصفرة، ولما سئل عبد الله عن الصبغ بها قال: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصبغ بها فأنا أصبغ بها وأحبها، وقال أبو عبيد: كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه، وقيل: يحتمل أن ذلك كان في ثوبه دون بدنه، ومذهب مالك جوازه، وحكاه عن علماء بلده، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز ذلك للرجال.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال: ومن؟" أي: ومن التي تزوجت بها، وفي لفظ له: "فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: مهيم قال: تزوجت" ومهيم بميم مفتوحة وهاء ساكنة وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره ميم، وهي كلمة يمانية معناها "ما هذا" و"ما أمرك" ذكره الهروي وغيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كم سقت" أي: كم أعطيت، يقال: ساقه إليه كذا أي: أعطاه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "زنة نواة" بكسر الزاي أي: وزن نواة من ذهب، قال أبو عبيد: النواة زنة خمسة دراهم، قال الخطابي: ذهبا كان أو فضة، وعن أحمد بن حنبل: زنة ثلاثة دراهم، وقيل: وزن نواة التمر من ذهب، وفي الترمذي عن أحمد: زنة ثلاثة دراهم وثلث، وقيل: النواة ربع دينار، وعن بعض المالكية هي ربع دينار.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أولم" أمر، أي: اتخذ وليمة وهي الطعام الذي يصنع عند العرس، ومن ذهب إلى إيجابها أخذ بظاهر الأمر وهو محمول عند الأكثر على الندب، وفي التلويح: والوليمة في العرس مستحبة وبه قال الشافعي، وفي رواية عنه واجبة، وهو قول داود، وقتها بعد الدخول، وقيل: عند العقد وعن ابن حبيب استحبابها عند العقد، وعند الدخول وأن لا ينقص عن شاة، قال القاضي: الإجماع أنه لا حد لقدرها المجزئ، وقال الخطابي: إنها قدر الشاة لمن قدر عليها فمن لم يقدر فلا حرج عليه فقد أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسويق والتمر على بعض نسائه، وكرهت طائفة الوليمة أكثر من يومين، وعن مالك أسبوعا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية