الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  184 50 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا وهيب ، عن عمرو ، عن أبيه : شهدت عمرو بن أبي حسن ، سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بتور من ماء ، فتوضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فأكفأ على يده من التور ، فغسل يديه ثلاثا ، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه إلى الكعبين ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة ، والمناسبة بين البابين ظاهرة ، والأبحاث المتعلقة به قد ذكرناها في الحديث السابق ، ونذكر ها هنا التي لم نذكر هناك .

                                                                                                                                                                                  فنقول : موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي مر في كتاب الوحي ، ووهيب هو ابن خالد الباهلي مر في باب من أجاب الفتيا ، وعمرو هو ابن يحيى بن عمارة شيخ مالك المتقدم ذكره في الحديث السابق ، وعمرو بن أبي حسن بفتح الحاء ، وقال الكرماني : عمرو هذا جد عمرو بن يحيى .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : تقدم أن السائل هو جده ، وهذا يدل على أنه أخو جده ، فما وجه الجمع بينهما ؟ قلت : لا منافاة في كونه جدا له من جهة الأم عما لأبيه .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : أغرب الكرماني ، فقال : عمرو بن أبي حسن جد عمرو بن يحيى من قبل أمه ، وقدمنا أن أم عمرو بن يحيى ليست بنتا لعمرو بن أبي حسن ، فلم يستقم ما قاله بالاحتمال .

                                                                                                                                                                                  قلت : لم يغرب الكرماني في ذلك ، ولا قاله بالاحتمال ، فإن صاحب ( الكمال ) قال ذلك ، وقد مر الكلام فيه في الباب الذي مضى .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بتور ) بفتح التاء المثناة من فوق ، وسكون الواو ، وفي آخره راء ، هو الطشت ، وقال الجوهري : إناء يشرب منه ، وقال الدراوردي : قدح ، وقيل : يشبه الطشت ، وقيل : مثل القدر يكون من صفر أو حجارة ، وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عند البخاري في باب الغسل في المخضب والصفر ، بضم الصاد المهملة وسكون الفاء ، صنف من جيد النحاس ، قيل : إنه سمي بذلك لكونه يشبه الذهب ، ويسمى أيضا الشبه ، بفتح الشين المعجمة ، والباء الموحدة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لهم ) أي لأجلهم ، وهم السائل وأصحابه ، قوله ( فأكفأ ) فعل ماض من الإكفاء ، وقد مر في الحديث السابق ، قوله ( واستنشق واستنثر ) قال الكرماني : هذا دليل من قال : إن الاستنثار هو غير الاستنشاق ، وهو الصواب .

                                                                                                                                                                                  قلت : قد ذكرنا فيما مضى عن ابن الأعرابي ، وابن قتيبة : أن الاستنشاق والاستنثار واحد .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : فعلى هذا يكون عطف الشيء على نفسه . قلت : لا تسم [ ص: 73 ] ذلك ; لأن اختلاف اللفظين يجوز ذلك ، ويحتمل أن يكون عطف تفسير .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ثلاثة غرفات ) قال الكرماني : يحتمل أن يراد بها أنها كانت للمضمضة ثلاثا ، وللاستنشاق ثلاثا ، أو كانت الثلاث لهما ، وهذا هو الظاهر .

                                                                                                                                                                                  قلت : الظاهر هو الأول ، لا الثاني ; لأنه ثبت فيما رواه الترمذي وغيره : أنه مضمض واستنشق ثلاثا .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : لا يعلم أن كل واحدة من الثلاث بغرفة . قلت : قد قلنا لك فيما مضى : إن البويطي روى عن الشافعي أنه روى عنه أنه يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة ، وثلاث غرفات للاستنشاق ، وكل ما روي من خلاف هذا فهو محمول على الجواز .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ثم أدخل يده ) يدل على أنه اغترف بإحدى يديه ، هكذا هو في باقي الروايات ، وفي مسلم وغيره ، ولكن وقع في رواية ابن عساكر ، وأبي الوقت من طريق سليمان بن بلال الآتية : ثم أدخل يديه بالتثنية ، وليس كذلك في رواية أبي ذر ، ولا الأصيلي ، ولا في شيء من الروايات خارج الصحيح ، قاله النووي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ثم غسل يديه مرتين ) المراد غسل كل يد مرتين كما تقدم من طريق مالك ( ثم غسل يديه مرتين مرتين ) ، وليس المراد توزيع المرتين على اليدين ليكون لكل يد مرة واحدة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إلى المرفقين ) المرفق بكسر الميم وبفتح الفاء : هو العظم الناتئ في الذراع ، سمي بذلك لأنه يرتفق في الاتكاء ونحوه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إلى الكعبين ) الكعب : هو العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم . قال بعضهم : وحكي عن أبي حنيفة : أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا مختلق على أبي حنيفة ، ولم يقل به أصلا ، بل نقل ذلك عن محمد بن الحسن ، وهو أيضا غلط ; لأن هذا التفسير فسره محمد في حق المحرم إذا لم يجد نعلين يلبس خفين يقطعهما أسفل من الكعبين بالتفسير الذي ذكره .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية