الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2006 64 - حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله [ ص: 229 ] - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "أن يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع".

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم أيضا في البيوع، عن قتيبة، عن الليث، عن نافع إلى آخره نحو رواية البخاري سندا ومتنا. وأخرجه النسائي فيه وفي الشروط. وأخرجه ابن ماجه في التجارات، جميعا بإسناده الذي قبله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إذا تبايع" تفاعل، وباب التفاعل يأتي بمعنى المفاعلة "وكانا جميعا" تأكيد لما قبله.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو يخير أحدهما الآخر" قال بعضهم: "يخير" بإسكان الراء عطفا على قوله: "ما لم يتفرقا"، ويحتمل نصب الراء على أن "أو" بمعنى "إلا أن" انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قد ذكرت عن قريب أن هذا القائل ظن أن أو حرف العطف، وليس كذلك بل هو بمعنى إلا، وتضمر أن بعدها، والمعنى إلا أن يخير أحدهما الآخر. قال النووي: معنى "أو يخير أحدهما الآخر" يقول له: "اختر" أي إمضاء البيع، فإذا اختار وجب البيع أي لزم وانبرم، فإن خير أحدهما الآخر فسكت لم ينقطع خيار الساكت، وفي انقطاع خيار القائل وجهان لأصحابنا، أصحهما: الانقطاع; لظاهر لفظ الحديث، وقال الخطابي: هذا أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس، وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الأحاديث، وكذلك قوله في آخره: "وإن تفرقا بعد أن تبايعا" فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار، ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): قوله: "أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس" فيما إذا أوجب أحد المتبايعين، والآخر مخير إن شاء قبله وإن شاء رده، وأما إذا حصل الإيجاب والقبول في الطرفين فقد تم العقد، فلا خيار بعد ذلك، إلا بشرط شرط فيه أو خيار العيب، والدليل عليه حديث سمرة أخرجه النسائي، ولفظه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ويأخذ كل واحد منهما من البيع ما هوى ويتخيران ثلاث مرات" قال الطحاوي: قوله في هذا الحديث: "ويأخذ كل منهما ما هوى" يدل على أن الخيار الذي للمتبايعين إنما هو قبل انعقاد البيع بينهما، فيكون العقد بينه وبين صاحبه فيما يرضاه منه لا فيما سواه مما لا يرضاه; إذ لا خلاف بين القائلين في هذا الباب بأن الافتراق المذكور في الحديث هو بعد البيع بالأبدان أنه ليس للمبتاع أن يأخذ ما رضي به من المبيع ويترك بقيته، وإنما له عنده أن يأخذه كله أو يدعه كله. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): فدل هذا أن التفرق بالقول لا بالأبدان، وقول الخطابي: "وهو مبطل لكل تأويل" إلى آخره - غير مسلم; لأن التأويلين إذا تقابلا وقف الحديث ويعمل بالقياس، وهو أن تقاس العقود من البيع ونحوها التي تكون بالمنافع كالإجارات على ما كان يملك من الأبضاع كالأنكحة، فكما لا تشترط فيها الفرقة بالأبدان بعد العقد فكذلك لا تشترط في عقود البيع، والجامع كون كل منهما عقدا يتم بالإيجاب والقبول.

                                                                                                                                                                                  وقال مالك: ليس لفرقتهما حد معروف، ولا وقت معلوم، وهذه جهالة وقف البيع عليها، كبيع الملامسة، والمنابذة، وكبيع بخيار إلى أجل مجهول، وما كان كذلك فهو فاسد قطعا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية