الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  185 ( وقال أبو موسى : دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء ، فغسل يديه ووجهه فيه ، ومج فيه ، ثم قال لهما : اشربا منه ، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال الإسماعيلي : ليس هذا من الوضوء في شيء ، وإنما هو مثل من استشفى بالغسل له ، فغسل .

                                                                                                                                                                                  قلت : أراد بهذا الكلام أنه لا مطابقة له للترجمة ، ولكن فيه مطابقة من حيث إنه عليه الصلاة والسلام لما غسل يديه ووجهه في القدح صار الماء مستعملا ، ولكنه طاهر إذ لو لم يكن طاهرا لما أمر بشربه وإفراغه على الوجه والنحر ، وهذا الماء طاهر وطهور أيضا بلا خلاف ، ولكنه إذا وقع مثل هذا من غير النبي عليه الصلاة والسلام يكون الماء على حاله طاهرا ، ولكن لا يكون مطهرا على ما عرف .

                                                                                                                                                                                  بيان ما فيه من الأشياء :

                                                                                                                                                                                  الأول : أن أبا موسى هو الأشعري ، واسمه عبد الله بن قيس ، تقدم في باب أي الإسلام أفضل .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن هذا تعليق ، وهو طرف من حديث مطول أخرجه البخاري في المغازي ، وأوله : عن أبي موسى قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ، ومعه بلال رضي الله عنه ، فأتاه أعرابي ، قال : ألا تنجز لي ما وعدتني ، قال : أبشر . . الحديث . وفيه : دعا بقدح فيه ماء ، فغسل يديه . . الحديث . وأخرج أيضا قطعة منه في باب الغسل والوضوء في المخضب ، وأخرجه مسلم أيضا في فضائل النبي عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                  الثالث : القدح بفتحتين هو الذي يؤكل فيه . قاله ابن الأثير .

                                                                                                                                                                                  قلت : القدح في استعمال الناس اليوم الذي يشرب فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ومج فيه ) أي صب ما تناوله من الماء بفيه في الإناء .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الأثير : مج لعابه إذا قذفه ، وقيل : لا يكون مجا حتى يباعد به .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال لهما ) أي لأبي موسى وبلال رضي الله تعالى عنهما ، وكان بلال مع أبي موسى حاضرا عند النبي عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وأفرغا ) من الإفراغ .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ونحوركما ) بالنون جمع نحر ، وهو الصدر .

                                                                                                                                                                                  الرابع : فيه الدلالة على طهارة الماء المستعمل على الوجه الذي ذكرناه ، وفيه جواز مج الريق في الماء . قاله الكرماني .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن لعابه أطيب من المسك ، ومن غيره يستقذر ، ولهذا كرهه العلماء ، والنبي عليه الصلاة والسلام مقامه أعظم ، وكانوا يتدافعون على نخامته ، ويدلكون بها وجوههم لبركتها وطيبها ، وخلوفه ما كان يشابه خلوف غيره ، وذلك لمناجاته الملائكة ، فطيب الله نكهته وخلوف فمه وجميع رائحته .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : فيه دليل على أن لعاب البشر ليس بنجس ، ولا بقية شربه ، وذلك يدل على أن نهيه عليه الصلاة والسلام عن النفخ في الطعام والشراب ليس على سبيل أن ما تطاير فيه من اللعاب نجس ، وإنما هو خشية أن يتقذره الآكل منه ، فأمر بالتأدب في ذلك .

                                                                                                                                                                                  وقال أيضا : وحديث أبي موسى يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالشرب من الذي مج فيه ، والإفراغ على الوجوه والنحور من أجل مرض أو شيء أصابهما .

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : لم يكن ذلك من أجل ما ذكره ، بل كان لمجرد التيمن [ ص: 76 ] والتبرك به ، وهذا هو الظاهر .

                                                                                                                                                                                  قلت : فعلى هذا لا تطابق بينه وبين ترجمة الباب ، والعجب من ابن بطال حيث يقول بالاحتمال في الذي يدل على هذا الحديث على التبرك والتيمن ظاهرا ، ويقول بالجزم في الذي يحتمل غيره .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية