الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2017 74 - حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا أبو ضمرة قال: حدثنا موسى، عن نافع قال: حدثنا ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه، حتى ينقلوه حيث يباع الطعام.

                                                                                                                                                                                  قال: وحدثنا ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يباع الطعام إذا اشتراه، حتى يستوفيه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل: ليس لذكر هذا الحديث هاهنا وجه.

                                                                                                                                                                                  (قلت): يمكن أن يؤخذ وجه المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة من لفظ الركبان; لأن الشراء منهم يكون باستقبال الناس إياهم في موضع، وهذا الموضع يطلق عليه السوق; لأن السوق في اللغة موضع البياعات، وهذا - وإن كان فيه نوع تعسف - فيستأنس به في وجه المطابقة، فافهم.

                                                                                                                                                                                  وإبراهيم بن المنذر - على لفظ اسم الفاعل من الإنذار - أبو إسحاق الحزامي المدني، وهو من أفراد البخاري. وأبو ضمرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء اسمه أنس بن عياض، وقد مر في باب التبرز في البيوت. وموسى بن عقبة - بالقاف - ابن أبي عياش المدني مولى الزبير بن العوام مات سنة إحدى وأربعين ومائة، والإسناد كله مدنيون، والحديث المذكور من أفراده، وحديث بيع الطعام قبل القبض أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي بأسانيد مختلفة وألفاظ متباينة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من الركبان" وهم الجماعة من أصحاب الإبل في السفر، وهو جمع راكب، وهو في الأصل يطلق على راكب الإبل خاصة، ثم اتسع فيه فأطلق على كل من ركب دابة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "على عهد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم " أي على زمنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فيبعث" أي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من يمنعهم" في محل النصب; لأنه مفعول "يبعث".

                                                                                                                                                                                  قوله: "أن يبيعوه" أي بأن يبيعوه فكلمة "أن" مصدرية، أي من البيع في مكان اشتروه، حتى ينقلوه ويبيعوه حيث يباع الطعام في الأسواق; لأن القبض شرط، وبالنقل المذكور يحصل القبض، ووجه نهيه عن بيع ما يشترى من الركبان - إلا بعد التحويل إلى موضع يريد أن يبيع فيه - الرفق بالناس، ولذلك ورد النهي عن تلقي [ ص: 242 ] الركبان; لأن فيه ضررا لغيرهم من حيث السعر، فلذلك أمرهم بالنقل عند تلقي الركبان ليوسعوا على أهل الأسواق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم قال" أي ثم قال نافع: وحدثنا عبد الله بن عمر، وهذا داخل في الإسناد الأول.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حتى يستوفيه" أي يقبضه. وفي رواية مسلم "حتى يكتاله" والقبض والاستيفاء سواء.

                                                                                                                                                                                  والذي يستفاد من الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الطعام إلا بعد القبض.

                                                                                                                                                                                  وهذا الباب فيه خلاف; قال القاضي عياض في شرح مسلم: اختلف الناس في جواز بيع المشتريات قبل قبضها، فمنعه الشافعي في كل شيء، وانفرد عثمان التيمي فأجازه في كل شيء، ومنعه أبو حنيفة في كل شيء، إلا العقار وما لا ينقل، ومنعه آخرون في سائر المكيلات والموزونات، ومنعه مالك في سائر المكيلات والموزونات إذا كانت طعاما، وقال ابن قدامة في المغني: ومن اشترى ما يحتاج إلى القبض لم يجز بيعه حتى يقبضه، ولا أرى بين أهل العلم فيه خلافا، إلا ما حكي عن عثمان التيمي أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه، وقال ابن عبد البر: هذا قول مردود بالسنة، وأما غير ذلك فيجوز بيعه قبل قبضه في أظهر الروايتين، ونحوه قول مالك وابن المنذر. انتهى. وقال عطاء بن أبي رباح والثوري وابن عيينة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي في الجديد ومالك في رواية وأحمد في رواية وأبو ثور وداود: النهي الذي ورد في البيع قبل القبض قد وقع على الطعام وغيره، وهو مذهب ابن عباس أيضا، ولكن أبو حنيفة قال: لا بأس ببيع الدور والأرضين قبل القبض; لأنها لا تنقل ولا تحول، وقال الشافعي: هو في كل مبيع عقارا أو غيره، وهو قول الثوري ومحمد بن الحسن، وهو مذهب جابر أيضا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية