الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  186 ( وقال عروة ، عن المسور وغيره ، يصدق كل واحد منهما صاحبه : وإذا توضأ النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يقتتلون على وضوئه ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  عروة هو ابن الزبير بن العوام تقدم . المسور بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو - ابن مخرمة ، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء ، الزهري ، ابن بنت عبد الرحمن بن عوف ، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين ، وصح سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روي له اثنان وعشرون حديثا ، ذكر البخاري منها ستة ، فأصابه حجر من أحجار المنجنيق ، وهو يصلي في الحجر ، فمكث خمسة أيام ، ثم مات زمن محاصرة الحجاج مكة سنة أربع وستين ، والألف واللام فيه كالألف واللام في الحارث ، يجوز إثباتها ويجوز نزعها ، وهو في الحالتين علم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( يصدق كل واحد منهما صاحبه ) أي يصدق كل من المسور ومروان صاحبه ; لأن المراد من قوله ( وغيره ) هو مروان ، على ما يأتي ، وقد خبط الكرماني هنا خباطا فاحشا ، وسأبينه عن قريب إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وغيره ) يريد به مروان بن الحكم ; لأن البخاري أخرج هذا التعليق في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد موصولا ، فقال : حدثني عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، قال : أخبرني الزهري ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان ، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه ، قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ... الحديث ، وهو طويل جدا ، إلى أن قال : ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بعينيه ، قال : فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كانوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ... إلى آخر الحديث ، والمراد من قوله ( ثم إن عروة ) وهو عروة بن مسعود ، أرسله كفار مكة إلى النبي عليه الصلاة والسلام زمن الحديبية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وإذا توضأ ) الضمير فيه يرجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، والحاكي هو عروة بن مسعود ; لأنه هو الذي شاهد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما كانوا يفعلون بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو أيضا أخبر بذلك لأهل مكة كما ستقف على الحديث بطوله .

                                                                                                                                                                                  قوله ( كانوا يقتتلون ) كذا هو في رواية أبي ذر ، وفي رواية الباقين ( كادوا يقتتلون ) ، قال بعضهم : هو الصواب ; لأنه لم يقع بينهم قتال .

                                                                                                                                                                                  قلت : كلاهما سواء ، والمراد به المبالغة في ازدحامهم على نخامة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى وضوئه .

                                                                                                                                                                                  وأما الكرماني فإنه قال أولا : فإن قلت : هو رواية عن المجهول ، ولا اعتبار به . قلت : الغالب أن عروة لا يروي إلا عن العدل ، فحكمه حكم المعلوم ، وأيضا هو مذكور على سبيل التبعية ، ويحتمل في التابع ما لا يحتمل في غيره .

                                                                                                                                                                                  أقول : [ ص: 77 ] هذا السؤال غير وارد أصلا ; لأن هذا التعليق ، وهو قوله ( وقال عروة ) قد أخرجه البخاري موصولا ، وبين فيه أن المراد من قوله ( وغيره ) هو مروان كما ذكرناه ، فإذا سقط السؤال فلا يحتاج إلى الجواب .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : ثانيا : فإن قلت : هذا تعليق من البخاري أم لا ؟ قلت : هو عطف على مقول ابن شهاب ، أي قال ابن شهاب : أخبرني محمود ، وقال عروة .

                                                                                                                                                                                  أقول : نعم هذا تعليق ، وصله في كتابه كما ذكرنا ، وليس هو عطفا على مقول ابن شهاب .

                                                                                                                                                                                  وقال : ثالثا : قوله ( منهما ) أي من محمود والمسور ، أي محمود يصدق مسورا ، ومسور يصدق محمودا .

                                                                                                                                                                                  أقول : ليس كذلك ، بل المعنى أن المسور يصدق مروان بن الحكم ، ومروان يصدق مسورا .

                                                                                                                                                                                  وقال : رابعا : ولفظ يصدق هو كلام ابن شهاب أيضا ، ومقول كل واحد منهما هو لفظ : وإذا توضأ .

                                                                                                                                                                                  أقول : لفظ " وإذا توضأ " ليس مقول كل واحد منهما ، بل هو مقول عروة بن مسعود ; لأنه هو القائل بذلك والحاكي به عند مشركي مكة ، وذكر أبو الفضل بن طاهر أن هذا الحديث معلول ، وذلك أن المسور ومروان لم يدركا هذه القصة التي كانت بالحديبية سنة ست ; لأن مولدهما كان بعد الهجرة بسنتين ، وعلى ذلك اتفق المؤرخون ، وأما ما في ( صحيح مسلم ) عن المسور ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على هذا المنبر ، وأنا يومئذ محتلم . فيحتاج إلى تأويل لغوي ، يعني : أنه كان يعقل ، لا الاحتلام الشرعي ، أو أنه كان سمينا غير مهزول ، فيما ذكره القرطبي .

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب ( الأفعال ) : حلم حلما إذا عقل .

                                                                                                                                                                                  وقال غيره : تحلم الغلام صار سمينا ، وهو معدود في صغار الصحابة ، مات سنة أربع وستين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية