الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2028 [ ص: 254 ] 85 - حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: الذي حفظناه من عمرو بن دينار قال: سمع طاوسا يقول: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أما الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الطعام أن يباع حتى يقبض، قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلا مثله.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "الذي حفظناه" إلى آخره كأن سفيان يشير بذلك إلى أن في رواية غير عمرو بن دينار، عن طاوس زيادة على ما حدثهم به عمرو بن دينار عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أما الذي نهى عنه" قد علم أن كلمة "أما" في مثل هذا تقتضي التقسيم، ويقدر هنا ما يدل عليه السياق، وهو: وأما غير ما نهى عنه فلا أظنه إلا مثله في أنه لا يباع أيضا قبل القبض.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أن يباع" قال الكرماني: ما محل "أن يباع"؟ فأجاب: رفع بأن يكون بدلا من الطعام، ثم قال: فإذا أبدل النكرة من المعرفة فلا بد من النعت، فأجاب بأن فعل المضارع مع أن معرفة موغلة في التعريف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا أحسب كل شيء إلا مثله" أي إلا مثل الطعام، يدل عليه رواية مسلم من طريق معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: "وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام" وقال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، كرهوا أن يبيع الرجل ما ليس عنده.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن المنذر: قوله: "وبيع ما ليس عندك" يحتمل معنيين: أحدهما: أن يقول: أبيعك عبدا أو دارا، وهو غائب في وقت البيع، فلا يجوز لاحتمال عدم رضى صاحبه، أو أن يتلف، وهذا يشبه بيع الغرر.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أن يقول: أبيع هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها أو على أن يسلمها إليك صاحبها، وهذا مفسوخ على كل حال; لأنه غرر؛ إذ قد يجوز أن لا يقدر على شرائها أو لا يسلمها إليه مالكها، وهذا أصح القولين عندي.

                                                                                                                                                                                  وقال غيره: ومن بيع ما ليس عندك العينة، وهي دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل، بأن يقول: أبيعك بالدراهم التي سألتني سلعة، وكذا ليست عندي: أبتاعها لك، فبكم تشتريها مني؟ فوافقه على الثمن، ثم يبتاعها ويسلمها إليه، فهذه العينة المكروهة، وهي بيع ما ليس عندك وبيع ما لم تقبضه; فإن وقع هذا البيع فسخ عند مالك في مشهور مذهبه، وعند جماعة من العلماء، لو قيل للبائع: إن أعطيت السلعة أبتاعها منك بما اشتريتها جاز ذلك، وكأنك إنما أسلفته الثمن الذي ابتاعها، وقد روي عن مالك أنه لا يفسخ البيع; لأن المأمور كان ضامنا للسلعة لو هلكت، وقال ابن القاسم: وأحب إلي أن يتورع عن أخذ ما زاده عليه، وقال عيسى بن دينار: بل يفسخ البيع، إلا أن يفوت السلعة فتكون فيها القيمة، وعلى هذا سائر العلماء بالحجاز والعراق، وقال ابن الأثير: ابن عباس كره العينة، هو أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها منه، فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها، ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن، فهذه أيضا عينة، وهي أهون من الأولى، وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة; لأن العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتري بها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية