الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2031 88 - حدثنا فروة بن أبي المغراء قال: أخبرنا علي بن مسهر عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقل يوم كان يأتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، فلما أذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهرا، فخبر به أبو بكر، فقال: ما جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الساعة إلا لأمر حدث. فلما دخل عليه قال لأبي بكر: أخرج من عندك، قال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، يعني عائشة وأسماء، قال: أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج؟ قال: الصحبة يا رسول الله؟ قال: الصحبة، قال: يا رسول الله، إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما، قال: قد أخذتها بالثمن.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن لها جزأين، أما دلالته على الجزء الأول فظاهرة; لأنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما أخذ الناقة من أبي بكر بقوله: "قد أخذتها بالثمن" الذي هو كناية عن البيع تركه عند أبي بكر، فهذا يطابق قوله: "فتركه عند البائع".

                                                                                                                                                                                  وأما دلالته على الجزء الثاني، وهو قوله: "أو مات قبل أن يقبض" فبطريق الإعلام أن حكم الموت قبل القبض حكم الوضع عند البائع؛ قياسا عليه، ولكن البخاري لم يجزم بالحكم كما ذكرنا; لمكان الاختلاف فيه، ولكن تصدير الترجمة بأثر ابن عمر يدل على أن اختياره ما ذهب إليه ابن عمر، وهو أن الهالك في الصورة المذكورة من مال المبتاع.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم خمسة:

                                                                                                                                                                                  الأول: فروة - بفتح الفاء وسكون الراء - ابن أبي المغراء، بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء والمد، واسم أبي المغراء معديكرب الكندي.

                                                                                                                                                                                  الثاني: علي بن مسهر - بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء - قاضي الموصل.

                                                                                                                                                                                  الثالث: هشام بن عروة.

                                                                                                                                                                                  الرابع: أبوه عروة بن الزبير بن العوام.

                                                                                                                                                                                  الخامس: أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده):

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في موضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن شيخه من أفراده وأنه وعلي كوفيان، وهشام وأبوه مدنيان.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث من أفراده وسيأتي في أول الهجرة مطولا إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه:

                                                                                                                                                                                  قوله: "لقل يوم" اللام جواب قسم محذوف وقوله: "قل" فعل ماض.

                                                                                                                                                                                  وفيه معنى النفي، أي: ما يأتي يوم عليه إلا يأتي فيه بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بيت أبي بكر" منصوب على المفعولية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أحد" نصب على الظرفية بتقدير في.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لم يرعنا" بفتح الياء وضم الراء وسكون العين المهملة، من الروع، وهو الفزع، يعني أتانا بغتة وقت الظهر.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 257 ] قوله: "فخبر به" على صيغة المجهول أي: خبر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، يعني: أخبره مخبر بأنه جاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حدث" بفتح الدال.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أخرج" بفتح الهمزة أمر من الإخراج.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من عندك" بفتح الميم مفعول أخرج، ويروى "ما عندك" وكلمة ما عامة تتناول العقلاء وغيرهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "الصحبة" بالنصب أي: أنا أريد أو أطلب الصحبة معك عند الخروج، ويجوز الرفع أي: مرادي الصحبة أو مطلوبي، وكذا لفظة الصحبة الثانية بالنصب أي: أنا أريد أو أطلب الصحبة أيضا أو ألزم صحبتك، ويجوز بالرفع أي: مطلوبي أيضا الصحبة أو الصحبة مبذولة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أعددتهما" قال ابن التين: وقع في رواية للبخاري "عددتهما للخروج" يعني بدون الهمزة، قال: صوابه أعددتهما؛ لأنه رباعي .

                                                                                                                                                                                  (قلت): قوله: رباعي بالنسبة إلى عدد حروفه، ولا يقال في مصطلح الصرفيين إلا ثلاثي مزيد فيه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) قال المهلب: وجه استدلال البخاري في هذا الباب بحديث عائشة أن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في الناقة: "قد أخذتها" لم يكن أخذا باليد ولا بحيازة شخصها، وإنما كان التزامه لابتياعها بالثمن وإخراجها من ملك أبي بكر; لأن قوله: "قد أخذتها" يوجب أخذا صحيحا وإخراجا واجبا للناقة من ملك أبي بكر إلى ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثمن الذي يكون عوضا منها، فهل يكون التصرف بالمبيع قبل القبض أو الضياع إلا لصاحب الذمة الضامنة لها؟ انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت) وقال بعضهم: وليس ما قاله بواضح; لأن القصة ما سيقت لبيان ذلك، فلذلك اختصر فيها قدر الثمن وصفة العقد، فيحمل كل ذلك على أن الراوي اختصره؛ لأنه ليس من غرضه في سياقه، وكذلك اختصر صفة القبض فلا يكون فيه حجة في عدم اشتراط القبض. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): الذي قاله المهلب أوضح ما يكون; لأن ترك سوق القصة لبيان ذلك لا يستلزم نفي صحة ما قاله المهلب ولا الاختصار فيها قدر الثمن وصفة العقد، ولا الأمر فيه مبني على غرض الراوي في اختصاره الحديث وتقطيعه، والعمل على متن الحديث وصحة الاستدلال بألفاظه، وقد صرح في الحديث بالأخذ الصحيح لاشترائه بالثمن وهو يوجب الإخراج من ملك البائع إلى ملك المشتري، وقد استدل به أبو حنيفة وغيره بأن الافتراق بالكلام لا بالأبدان; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "قد أخذتها بالثمن" قبل أن يفترقا، وتم البيع بينهما. فافهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية