الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2045 102 - حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا الليث، قال: حدثني سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمعه يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها، ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "فليبعها" فإنه يدل على جواز بيع الزاني، وفيه الإشعار بأن الزنا عيب.

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة، واسم أبي سعيد كيسان المديني مولى بني ليث، وكان سعيد يسكن المقبرة فنسب إليها.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في البيوع، عن عبد العزيز بن عبد الله، وفي المحاربين، عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم في الحدود، وأخرجه النسائي، عن عيسى بن حماد، وقال الدارقطني: رواه ابن جريج وإسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد وعبد الرحمن بن إسحاق وأيوب بن موسى ومحمد بن عجلان وابن أبي ذئب وعبيد الله بن عمر فقالوا: عن سعيد، عن أبي هريرة، لم يذكروا أبا سعيد، وفي مسلم كذلك.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: "فتبين زناها" أي: بالبينة أو بالحبل أو بالإقرار.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فليجلدها" وفي رواية أيوب بن موسى: فليجلدها الحد، قال أبو عمر: لا نعلم أحدا ذكر فيه الحد غيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا يثرب" من التثريب بالثاء المثلثة بعد التاء المثناة من فوق، وهو التعيير والاستقصاء في اللوم، أي: لا يزيد في الحد، ولا يؤذيها بالكلام، وقال الخطابي: معناه أن لا يقتصر على التثريب، بل يقام عليها الحد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولو بحبل" أي: ولو كان البيع بحبل من شعر، وهذا مبالغة في التحريض ببيعها، وذكر الحبل بمعنى التقليل والتزهيد عن الزانية.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) فيه جواز بيع الزاني، وقال أهل الظاهر: البيع واجب، وفيه أن الزنا عيب في الجارية، وقد ذكرنا أنه ليس بعيب في الغلام إلا إذا كان معتادا به، وفيه أن الزانية تجلد، وممن كان يجلدها إذا زنت أو يأمر برجمها ابن مسعود وأبو برزة وفاطمة وابن عمر وزيد بن ثابت وإبراهيم النخعي وأشياخ الأنصار وعبد الرحمن بن أبي ليلى [ ص: 278 ] وعلقمة والأسود وأبو جعفر محمد بن علي أبو ميسرة.

                                                                                                                                                                                  واختلف العلماء في العبد إذا زنى هل الزنا عيب فيه يجب رده به أم لا؟ فقال مالك: هو عيب في العبد والأمة، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور، وقول الشافعي: كل ما ينقص من الثمن فهو عيب، وقالت الحنفية: هو عيب في الجارية دون الغلام كما ذكرناه، ثم هل يجلدها السيد أم لا؟ فقال مالك والشافعي وأحمد: نعم، وقال أبو حنيفة: لا يقيم الجلد أو الحد إلا الإمام بخلاف التعزير، واحتج بحديث: "أربع إلى الوالي" فذكر منها الحدود. وهل يكتفي السيد بعلم الزنا أم لا؟ فيه روايتان عند المالكية، ولم يذكر في الحديث عدد الجلد، وروى النسائي أن رجلا أتى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال: "إن جاريتي زنت وتبين زناها قال: اجلدها خمسين، ثم أتاه فقال: عادت وتبين زناها، قال: اجلدها خمسين، ثم أتاه فقال: عادت، قال: بعها ولو بحبل من شعر" والأمة لا ترجم، سواء كانت متزوجة أم لا.

                                                                                                                                                                                  والزاني إذا حد، ثم زنى ثانيا لزمه حد آخر، على ذلك الأئمة الأربعة، والإحصان في الرجم شرط، والشروط سبعة: الحرية والعقل والبلوغ والإسلام، وعن أبي يوسف أنه ليس بشرط، وبه قال الشافعي وأحمد; لأنه - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين، قلنا: كان ذلك بحكم التوراة قبل نزول آية الجلد في أول ما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وصار منسوخا بها، ثم نسخ الجلد في حق المحصن. والشرط الخامس الوطء، والسادس أن يكون الوطء بنكاح صحيح، والشرط السابع كونهما محصنين حالة الدخول، حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لم يكن محصنا، وكذلك لو كان الزوج عبدا أو صبيا أو مجنونا أو كافرا، وهي مسلمة عاقلة بالغة.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): كيف يتصور أن يكون الزوج كافرا والمرأة مسلمة؟ .

                                                                                                                                                                                  (قلت): صورته أن يكونا كافرين فأسلمت المرأة ودخل بها الزوج قبل عرض الإسلام عليه.

                                                                                                                                                                                  ومنه استنبط قوم جواز البيع بالغبن، قالوا: لأنه بيع خطير بثمن يسير، وقال القرطبي: هذا ليس بصحيح; لأن الغبن المختلف فيه إنما هو مع الجهالة من المغبون، وأما مع علم البائع بقدر ما باع وما قبض فلا يختلف فيه؛ لأنه عن علم منه ورضى، فهو إسقاط لبعض الثمن لا سيما أن الحديث خرج على جهة التزهيد وترك الغبطة، وفيه ترك اختلاط الفساق وفراقهم

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): فما معنى أمره - صلى الله تعالى عليه وسلم - ببيع الأمة الزانية والذي يشتريها يلزمه من اجتنابها ومباعدتها ما يلزم البائع، وكيف يكره شيئا ويرتضيه لأخيه المسلم؟ .

                                                                                                                                                                                  (قلت): لعل الثاني يصونها بهيبته أو بالإحسان إليها أو لعلها تستعف عند الثاني بأن يزوجها أو يعفها بنفسه، ونحو ذلك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية