الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  196 62 - حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا سليمان قال : حدثني عمرو بن يحيى ، عن أبيه قال : كان عمي يكثر من الوضوء ، قال لعبد الله بن زيد : أخبرني كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بتور من ماء ، فكفأ على يديه فغسلهما ثلاث مرار ، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة ، ثم أدخل يده فاغترف بها فغسل وجهه [ ص: 93 ] ثلاث مرات ، ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ، ثم أخذ بيده ماء فمسح رأسه فأدبر به وأقبل ، ثم غسل رجليه فقال : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله :

                                                                                                                                                                                  وهم خمسة : الأول : خالد بن مخلد ، بفتح الميم ، وسكون الخاء المعجمة ، وفتح اللام ، القطواني البجلي ، مر في أول كتاب العلم .

                                                                                                                                                                                  الثاني : سليمان بن بلال أبو محمد ، مر في أول كتاب الإيمان .

                                                                                                                                                                                  الثالث : عمرو بن يحيى .

                                                                                                                                                                                  الرابع : يحيى بن عمارة .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عم يحيى هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم .

                                                                                                                                                                                  وبقية الكلام فيه وفيما يتعلق بالحديث مر في باب مسح الرأس كله ، ولنذكر هنا ما لم نذكره هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : ثلاث مرات ، وفي رواية : ثلاث مرار .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : حكم العدد في ثلاثة إلى عشرة أن يضاف إلى جمع القلة ، فلم أضيف إلى جمع الكثرة مع وجود القلة ، وهو مرات .

                                                                                                                                                                                  قلت : هما يتعاوضان ، فيستعمل كل منهما مكان الآخر ، كقوله تعالى : ثلاثة قروء

                                                                                                                                                                                  قوله ( ثم أدخل يده في التور فمضمض ) فيه حذف تقديره : ثم أخرجها فمضمض ، وقد صرح به مسلم في روايته .

                                                                                                                                                                                  قوله ( واستنثر ) قد مر تفسير الاستنثار هناك .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : لم لم يذكر الاستنشاق ؟ قلت : الاستنثار مستلزم للاستنشاق ; لأنه إخراج الماء من الأنف هكذا . قاله الكرماني .

                                                                                                                                                                                  قلت : لا يتأتى هذا على قول من يقول : الاستنثار والاستنشاق واحد ، فعلى قول هذا يكون هذا من باب الاكتفاء أو الاعتماد على الرواية الأخرى .

                                                                                                                                                                                  قوله ( من غرفة واحدة ) حال من الضمير الذي في مضمض ، والمعنى مضمض ثلاث مرات واستنثر ثلاث مرات ، حال كونه مغترفا بغرفة واحدة ، وهو أحد الوجوه الخمسة للشافعية .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : قوله ( من غرفة واحدة ) يتعلق بقوله ( فمضمض واستنثر ) ، والمعنى : جمع بينهما بثلاث مرات من غرفة واحدة ، كل مرة بغرفة .

                                                                                                                                                                                  قلت : يكون الجميع ثلاث غرفات ، والتركيب لا يدل على هذا ، وهو يصرح بغرفة واحدة ، نعم جاء في حديث عبد الله بن زيد : بثلاث غرفات ، وفي رواية أبي داود ومسلم : فمضمض واستنشق من كف واحدة ، يفعل ذلك ثلاثا . يعني يفعل المضمضة والاستنشاق كل مرة منهما بغرفة ، فتكون المضامض الثلاث والاستنشاقات الثلاث بثلاث غرفات ، وهو أحد الوجوه للشافعية ، وهو الأصح عندهم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فغسل وجهه ثلاث مرات ) لفظ ثلاث مرات متعلق بالفعلين ، أي اغترف ثلاثا ، فغسل ثلاثا ، وهو على سبيل تنازع العاملين ، وذلك لأن الغسل ثلاثا لا يمكن باغتراف واحد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فأدبر بيديه وأقبل ) احتج به الحسن بن حي على أن البداءة بمؤخر الرأس ، والجواب : أن الواو لا تدل على الترتيب ، وقد سبقت الرواية بتقديم الإقبال ، حيث قال : فأقبل بيده وأدبر بها ، وإنما اختلف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في التأخير والتقديم ليري أمته السعة في ذلك ، والتيسير لهم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فقال ) أي عبد الله بن زيد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية