الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2130 7 - ( حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة قال : أخبرنا عمرو قال : سمعت أبا البختري الطائي قال : سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - عن السلم في النخل قالت : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يؤكل منه وحتى يوزن ، فقال الرجل : وأي شيء يوزن ؟ قال رجل إلى جانبه : حتى يحرز ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال ابن بطال : حديث ابن عباس هذا ليس من هذا الباب ، وإنما هو من الباب الذي بعده المترجم بباب السلم في النخل وهو غلط من الناسخ ، وأجيب بأن ابن عباس لما سئل عن السلم إلى من له نخل عد ذلك من قبيل بيع الثمار قبل بدو صلاحها ، فإذا كان السلم في النخل لا يجوز لم يبق لوجودها في ملك المسلم إليه فائدة متعلقة بالسلم ، فيصير جواز السلم إلى من [ ص: 67 ] ليس له عنده أصل ، وإلا يلزمه سد باب السلم .

                                                                                                                                                                                  وآدم هو ابن أبي إياس ، وعمرو بفتح العين هو ابن مرة بضم الميم ، وفي رواية مسلم : عمرو بن مرة ، وهو عمرو بن مرة بن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي ، وأبو البختري بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق وبالراء وتشديد الياء واسمه سعيد بن فيروز الكوفي الطائي ، قتل في الجماجم ، سنة ثلاث وثمانين .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا عن الوليد ، وعن بندار عن غندر ، وأخرجه مسلم في البيوع عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في النخل " أي في ثمر النخل ، وقال الكرماني ما ملخصه : أن المراد من السلم معناه اللغوي وهو السلف ، حتى لا يقال كيف يصح معنى السلم فيه ولم يقع العقد على موصوف في الذمة ، وأما النهي عنه فلأنه من جهة أنه من تلك الثمرة خاصة وليس مسترسلا في الذمة مطلقا ، قوله : " حتى يؤكل منه " مقتضاه أن يصح بعد الأكل الذي هو كناية عن ظهور الصلاح ومع هذا لم يصح ; لأن ذكر هذه الغاية بيان للواقع لأنهم كانوا يسلفونه قبل صيرورته مما يؤكل ، والقيود التي خرجت مخرج الأغلب لا مفهوم لها ، قوله : " فقال الرجل " قال الكرماني : إنما عرف مع أن السياق يقتضي تنكيره لأنه معهود إذا أراد به أبو البختري نفسه أي السائل من ابن عباس ، قوله : " قال رجل " لم يدر هذا من هو ، قوله : " وأي شيء يوزن " إذ لا يمكن وزن الثمرة التي على النخل ، قوله : " إلى جانبه " أي إلى جانب ابن عباس ، قوله : حتى يحرز " بتقديم الراء على الزاي حتى يحفظ ويصان ، وفي رواية الكشميهني : حتى يحزر بتقديم الزاي على الراء أي يخرص ، وفي رواية النسفي حتى يحرر من التحرير ، ولكنه رواه بالشك ، واعلم أن الخرص والأكل والوزن كلها كنايات عن ظهور صلاحها ، وفائدة ذلك معرفة كمية حقوق الفقراء قبل أن يتصرف فيه المالك ، واحتج بهذا الكوفيون والثوري والأوزاعي بأن السلم لا يجوز إلا أن يكون المسلم فيه موجودا في أيدي الناس في وقت العقد إلى حين حلول الأجل فإن انقطع في شيء من ذلك لم يجز ، وهو مذهب ابن عمر وابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - ، وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : يجوز السلم فيما هو معدوم في أيدي الناس إذا كان مأمون الوجود عند حلول الأجل في الغالب ، فإن كان ينقطع حينئذ لم يجز ، وقد مر الكلام فيه في أول الباب مفصلا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية