الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2239 16 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن أيوب وكثير بن كثير يزيد أحدهما على الآخر ، عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس رضي الله عنهما ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ، أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا ، وأقبل جرهم فقالوا : أتأذنين أن ننزل عندك ؟ قالت : نعم ولا حق لكم في الماء ، قالوا : نعم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قولها لجرهم ولا حق لكم في الماء لأنها أحق من غيرها ، وقال الخطابي : فيه أن من أنبط ماء في فلاة من الأرض ملكه ولا يشاركه غيره فيه إلا برضاه إلا أنه لا يمنع فضله إذا استغنى عنه ، وإنما شرطت هاجر عليهم أن لا يتملكوه ، قوله " وعبد الله بن محمد بن عبد الله " أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي وهو من أفراده ، وأيوب هو السختياني ، وكثير بن كثير ضد القليل في اللفظين ابن المطلب السهمي ، وهو عطف على أيوب ، قيل : يلزم أن يكون كل منهما مزيدا ومزيدا عليه ، أجيب : نعم ، باعتبارين . والحديث أخرجه البخاري أيضا مطولا في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وفيه أيضا عن أبي عامر وأخرجه النسائي في المناقب عن محمد بن عبد الأعلى ، ومحمد بن عبد الله بن المبارك ، عن أبي عامر العقدي وعثمان بن عمر ، كلاهما عن إبراهيم بن نافع . قوله " أم إسماعيل " هي هاجر وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم سار إلى مصر لما وقع القحط بالشام للميرة ومعه سارة ولوط عليهما الصلاة والسلام ، وكان بها أول الفراعنة سنان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن ود بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم ، وقيل غير ذلك ، وكانت سارة من أجمل النساء وجرى ما جرى بينه وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم بسبب سارة على ما ذكره أهل السير ، فآخر الأمر نجى الله سارة من هذا الفرعون فأخدمها هاجر ، واختلف فيها فقال مقاتل : كانت من ولد هود صلى الله عليه وسلم ، وقال الضحاك : كانت بنت ملك مصر وكان ساكنا بمنف فغلبه ملك آخر فقتله وسبى ابنته فاسترقها ووهبها لسارة ، ثم وهبتها سارة لإبراهيم فواقعها فولدت إسماعيل ، ثم حمل إبراهيم إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة وذلك لأمر يطول ذكره ، ومكة إذ ذاك عضاه وسلم وسمر ، فأنزلهما في موضع الحجر وكان مع هاجر شنة ماء وقد نفد فعطشت وعطش الصبي ، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم وجاء بهما إلى موضع زمزم ، فضرب بعقبه ففارت عين ، فلذلك يقال لزمزم ركضة جبريل صلى الله عليه وسلم ، فلما نبع الماء أخذت هاجر شنتها وجعلت تستقي فيها تدخره وهي تفور ، قال صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا فشربت ، وقال لها جبريل : لا تخافي الظمأ على أهل هذه البلدة فإنها عين ستشرب منها ضيفان الله ، وإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه ، فكان كذلك حتى مرت رفقة من جرهم تريد الشام مقبلين من طريق كذا ، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا على الجبل ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء وعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأشرفوا فإذا هم بالماء ، فقالوا لهاجر : إن شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك ، فأذنت لهم فنزلوا هناك فهم أول سكان مكة ، فكانوا هناك حتى شب إسماعيل وماتت هاجر ، فتزوج إسماعيل امرأة منهم ، يقال لها الجداء ابنة سعد العملاقي ، وأخذ لسانهم فتعرب بهم وحكايته طويلة ليس هذا موضع بسطها .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن جرهم صنفان : الأولى كانوا على عهد عاد فبادوا ودرست أخبارهم وهم من العرب البائدة ، وجرهم الثانية من ولد جرهم بن قحطان وكان جرهم أخا يعرب بن قحطان ، فملك يعرب اليمن وملك أخوه جرهم الحجاز ، وقال الرشاطي : [ ص: 212 ] جرهم وابن عمه قطورا هما كانا أهل مكة ، وكانا قد ظعنا من اليمن فأقبلا سيارة ، وعلى جرهم مضاض بن عمر وعلى قطورا السميدع رجل منهم ، فنزلا مكة وجرهم بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام ، قوله " لو تركت زمزم " بأن لا تغرف منها إلى القربة ولا تشح بها لكانت عينا معينا بفتح الميم أي جاريا ، قوله " أو قال " شك من الراوي ، قوله " أتأذنين " خطاب لهاجر بهمزة الاستفهام على سبيل الاستخبار ، قوله " أن ننزل " بنون المتكلم مع الغير ، ويروى أن أنزل باعتبار قول كل واحد منهم ، قال الكرماني : فإن قلت : نعم مقررة لما سبق ، وهاهنا النفي سابق ، قلت : يستعمل في العرف مقام بلى ، ولهذا يثبت به الإقرار حيث يقال : أليس لي عليك ألف ؟ فقال : نعم ، قلت : التحقيق فيه أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي ، وأن نعم تأتي بعد نفي وإيجاب فلا يحتاج أن يقال يستعمل في العرف مقام بلى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية