الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  215 81 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن خازم قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" . ثم أخذ جريدة رطبة ، فشقها نصفين ، فغرز في كل قبر واحدة . قالوا : يا رسول الله ، لم فعلت هذا؟ قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث في نفس الأمر هو الحديث الذي ترجم له البخاري بقوله : باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله ; لأن مخرجهما واحد غير أن الاختلاف في السند وبعض المتن ; لأن هناك : عن مجاهد ، عن ابن عباس ، وها هنا : عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، وقد قلنا هناك : إن إخراج البخاري بهذين الطريقين صحيح عنده ; لأنه يحتمل أن مجاهدا سمعه تارة عن ابن عباس ، وتارة عن طاوس ، عن ابن عباس ، فإذا كان الأمر كذلك فلا يحتاج إلى طلب ترجمة هذا الحديث لهذا الباب على تقدير وجود لفظة "باب" ; لأن وجه الترجمة ومطابقة الحديث لها قد ذكر هناك .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : بينهما باب آخر ، وهو قوله ( باب ما جاء في غسل البول ) ، قلت : هذا تابع للباب الأول ; لأنه في بيان حكم من أحكامه ، وليس للتابع استقلال في شأنه ، فعلى هذا قول الكرماني .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : كيف دلالته على الترجمة . قلت : من جهة إثبات العذاب على ترك استتار جسده من البول وعدم غسله غير سديد مستغنى عنه ; لأنه إن اعتبر فيما قاله لفظة "باب" مفردا فليس فيه ترجمة ، وإن لم يعتبر ذلك فيكون الحديث في باب ما جاء في غسل البول ، وليس له مناسبة ظاهرا ، والتحقيق ما ذكرته ، فافهم .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : وهم ستة :

                                                                                                                                                                                  الأول : محمد بن المثنى بضم الميم ، وفتح الثاء المثلثة ، وتشديد النون ، البصري المعروف بالزمن ، تقدم في باب حلاوة الإيمان .

                                                                                                                                                                                  الثاني : محمد بن خازم ، بالخاء والزاي المعجمتين ، أبو معاوية الضرير ، عمي وعمره أربع سنين ، وقد تقدم في باب المسلم من سلم المسلمون من يده .

                                                                                                                                                                                  الثالث : الأعمش ، وهو سليمان بن مهران الكوفي التابعي ، تقدم في باب ظلم دون ظلم .

                                                                                                                                                                                  الرابع : مجاهد بن جبر .

                                                                                                                                                                                  الخامس : طاوس بن كيسان ، تقدم في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين .

                                                                                                                                                                                  السادس : عبد الله بن عباس .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع ثلاث مرات ، وفيه العنعنة ثلاث مرات ، وفيه أن رواته ما بين بصري ، وكوفي ، ومكي ، ويماني .

                                                                                                                                                                                  بيان تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري ها هنا عن محمد بن المثنى ، وفي مواضع أخر ذكرناها في باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله . وأخرجه بقية الجماعة أيضا ، ذكرناها هناك .

                                                                                                                                                                                  وأما ذكر لغته وإعرابه واستنباط الأحكام منه ، فقد مرت مستوفاة .

                                                                                                                                                                                  وقوله ( فغرز ) وفي رواية وكيع في الأدب : فغرس ، وهما بمعنى واحد ، وبين الزاي والسين تناوب ، وكان غرزه عليه الصلاة والسلام عند رأس القبر . قاله سعد الدين الحارثي .

                                                                                                                                                                                  وقال : إنه ثبت بإسناد صحيح ، قال بعضهم : كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة الذي رواه ابن حبان في صحيحه ، وقد ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  قلت : فيه : فجعل إحداهما عند رأسه ، والأخرى عند رجليه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لم فعلت هذا ) وليس لفظة "هذا" في رواية المستملي والسرخسي .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية