الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
537 - " إذا توضأ أحدكم؛ فأحسن وضوءه؛ ثم خرج عامدا إلى المسجد؛ فلا يشبكن بين يديه؛ فإنه في صلاة " ؛ (حم د ت) ؛ عن كعب بن عجرة .

التالي السابق


(إذا توضأ أحدكم؛ فأحسن وضوءه) ؛ أي: أتى به تاما كاملا؛ غير طويل؛ ولا قصير؛ بل متوسطا بينهما؛ ذكره القاضي؛ [ ص: 322 ] (ثم خرج) ؛ من محله؛ (عامدا إلى المسجد) ؛ أي: قاصدا لمحل الجماعة؛ يقال: " عمد للشيء" ؛ قصد له؛ (فلا يشبكن بين أصابع يديه) ؛ ندبا؛ أي: لا يدخل أصابع إحداهما في أصابع الأخرى؛ لما فيه من التشبيه بالشيطان؛ أو لدلالته على ذلك؛ أو لكونه دالا على تشبيك الأحوال؛ قال ابن العربي: وقد شاهدت ممن يكره رؤيته؛ ويقول: فيه نظير في تشبيك الأحوال والأمور؛ ومثل تشبيكها تفقيعها؛ كما في حديث آخر؛ (فإنه في صلاة) ؛ أي: في حكم من فيها؛ والتشبيك من هيئات التصرفات الاختيارية؛ والصلاة تصان عن ذلك؛ مع أن التشبيك جالب للنوم؛ وهو مظنة للحديث؛ فلذلك كره تنزيها؛ قال العراقي: وهل يتعدى النهي عن التشبيك إلى تشبيكه بيد غيره؛ أو يختص بيد نفسه؛ لأنه عبث؟ كل محتمل؛ ويظهر أن تشبيكه بيد غيره إذا كان لنحو مودة؛ أو ألفة؛ لا يكره؛ وقد رفع حديث التشبيك مسلسلا؛ بجمع من الحفاظ؛ ثم إن مفهوم الشرط ليس قيدا معتبرا؛ حتى إنه إنما ينهى عن التشبيك من توضأ فأحسن وضوءه؛ بل من توضأ فأسبغ الواجب؛ وترك المندوب؛ فهو مأمور بذلك؛ وكذا من خرج من بيته غير متوضئ؛ ليتوضأ في طريقه؛ أو عند المسجد؛ لأنه قاصد للصلاة في المسجد؛ وفائدة ذكره الشرط أن الآتي بصفات الكمال؛ من توضئه قبل خروجه من بيته؛ وإحسانه للوضوء؛ وذهابه للمسجد؛ أنه لا يأتي بما يخالف ما ابتدأ به عبادته من العبث في طريقه إلى المسجد بتشبيك اليدين بغير ضرورة؛ بل ينبغي أن يواظب على صفات الكمال في خروجه ودخوله المسجد؛ وصلاته؛ وخروجه منه حتى يرجع إلى بيته؛ ليكون آخر عبادته مناسبا لأولها؛ والنهي عن التشبيك في الصلاة لا يتقيد بكونه في المسجد؛ بل لو صلى في بيته؛ أو سوقه؛ فكذلك لتعليله النهي عن التشبيك في الصلاة إذا خرج من بيته بأنه في صلاة؛ فإذا نهى من يكتب له أجر المصلي لكونه قاصدها؛ فحالة الصلاة الحقيقية أولى بترك العبث؛ سواء كانت الصلاة بالمسجد؛ وغيره.

(حم د ت) ؛ في الصلاة؛ من حديث أبي ثمامة الخياط؛ (عن كعب بن عجرة ) ؛ بضم العين المهملة؛ وسكون الجيم؛ البلوي؛ حليف الأنصار؛ أو منهم؛ تأخر إسلامه؛ قال أبو ثمامة : أدركني كعب متوجها إلى المسجد مشبكا بين أصابعي؛ فقال: " إن رسول الله قال..." ؛ فذكره؛ وصححه ابن خزيمة ؛ وابن حبان ؛ قال ابن حجر: في إسناده اختلاف؛ ضعفه بعضهم لأجله؛ وقال الذهبي في التنقيح: رواه جماعة عن المعتز؛ عن أبي ثمامة ؛ وهو لا يعرف إلا بهذا الحديث؛ وفيه نكارة؛ وفي الميزان: خبره عن كعب منكر؛ ولذلك رمز المؤلف لضعفه.



الخدمات العلمية