الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
564 - " إذا حضرتم موتاكم؛ فأغمضوا البصر؛ فإن البصر يتبع الروح؛ وقولوا خيرا؛ فإن الملائكة تؤمن على ما يقول أهل البيت " ؛ (حم هـ ك) ؛ عن شداد بن أوس .

التالي السابق


(إذا حضرتم موتاكم) ؛ عند خروج أرواحهم؛ (فأغمضوا البصر) ؛ أي: أطبقوا الجفن الأعلى على الأسفل بعد تيقن خروج روحه؛ كما قال القرطبي عن الداودي ؛ قال محمد بن المقري: سمعت أبا ميسرة - وكان رجلا عابدا - يقول: غمضت جعفرا المعلم - وكان رجلا عابدا - حال الموت؛ فرأيته في النوم؛ فقال: أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل أن أموت؛ (فإن البصر يتبع الروح) ؛ هذا علة الأمر بالإغماض؛ يعني أن ذهاب الباصرة في ذهاب الروح؛ فهي تابعة لها؛ فإذا ذهبت الروح ذهبت الباصرة؛ فلم يبق لانفتاح البصر فائدة؛ فلهذا ينبغي تغميضه؛ كذا قرره الهروي؛ تبعا للبيضاوي ؛ وجرى على نحوه في المطامح؛ حيث قال: المراد بذلك أن الإدراك البصري المودع في جوهر العين يفارق البدن بفراق الروح؛ فهو تابع لها بقاء؛ وذهابا؛ فإن بقيت؛ بقي؛ وإن ذهبت؛ ذهب؛ انتهى؛ ومشى على نحوه الأكمل؛ وبه يعرف أن المؤلف من الغافلين؛ حيث ذكر أنه أقام ثلاثين سنة يستشكل ذلك بأن البصر إنما يبصر ما دام الروح بالبدن؛ فإن فارقه تعطل الإبصار؛ ثم أجاب بأن المراد: شرع في قبضه؛ ولم ينته؛ انتهى؛ وما ذلك إلا لأنه ظن أن المراد أن البصر يتبع الروح حسا؛ وما درى أنه تابع له في الحكم؛ بقاء؛ وذهابا؛ كما تقرر؛ (وقولوا) ؛ حال التغميض؛ وبعده؛ (خيرا) ؛ أي: قولوا خيرا؛ من الدعاء للميت؛ بنحو مغفرة؛ وللمصاب بجبر المصيبة؛ ولا يحملكم الجزع على الدعاء على أنفسكم؛ وهذا كما قال القرطبي أمر [ ص: 331 ] ندب؛ أو إرشاد وتعليم لما ينبغي أن يقال عند المصيبة؛ (فإن الملائكة) ؛ الموكلين بقبض روحه؛ أو من حضر منهم؛ أو أعم؛ (تؤمن على ما يقول أهل البيت) ؛ أي: بيت الميت؛ وفي نسخ: " أهل الميت" ؛ أي: تقول: آمين؛ يعني: " استجب يا ربنا" ؛ فلا تقولوا شرا؛ فتؤمن الملائكة؛ فيستجاب؛ ففيه إشارة إلى النهي عن نحو: " واكهفاه؛ واجسراه؛ لا عشت بعده" ؛ ونحو ذلك؛ و" الروح" ؛ عند أكثر أهل السنة: جسم لطيف مغاير للأجسام ماهية؛ وصفة؛ متصرف في البدن؛ حال فيه حلول الدهن في الزيتون؛ يعبر عنه بـ " أنا" ؛ و" أنت" ؛ وإذا فارق البدن؛ مات؛ وذهب جمع - منهم الغزالي؛ والإمام الرازي؛ وفاقا للحكماء؛ والصوفية - إلى أنه مجرد؛ غير حال بالبدن؛ يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق؛ يدبر أمره على وجه لا يعلم تفصيله إلا الله.

(حم هـ ك؛ عن شداد بن أوس ) ؛ قال ابن حجر: فيه قزعة بن سويد؛ وروى الشطر الثاني من الجماعة جميعا؛ إلا البخاري ؛ عن أم سليم ؛ بلفظ: " إذا حضرتم المريض والميت؛ فقولوا خيرا؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" .



الخدمات العلمية