الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
632 - " إذا رأيتم من يبيع؛ أو يبتاع في المسجد؛ فقولوا: لا أربح الله تجارتك؛ وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة؛ فقولوا: لا رد الله عليك " ؛ (ت ك) ؛ عن أبي هريرة ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا رأيتم من) ؛ أي: مكلفا؛ (يبيع؛ أو يبتاع) ؛ أي: يشتري؛ (في المسجد؛ فقولوا) ؛ أي: ادعوا عليه؛ ندبا؛ وقيل: وجوبا؛ بنحو: (لا أربح الله تجارتك) ؛ فإن المسجد سوق الآخرة؛ فمن عكس؛ وجعله سوقا للدنيا؛ فحري بأنه يدعى عليه بالخسران والحرمان؛ وليس الوقف على قوله: " لا" ؛ كما يتوهمه بعض الجاهلين؛ بل المراد الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان؛ كما صرح به مع وضوحه بعض الأعيان؛ منهم النووي ؛ في الأذكار؛ حيث قال: باب إنكاره؛ ودعائه على من ينشد ضالته [ ص: 357 ] في المسجد؛ أو يبيع فيه؛ ثم أورد فيه أحاديث؛ هذا منها؛ قال جمع من أئمتنا: يندب لمن رأى من يبيع؛ أو يشتري؛ أو ينشد ضالته في المسجد؛ أن يقول: لا أربح الله تجارتك؛ ولا وجدت؛ ثم إن هذا؛ وما بعده؛ من قبيل الأمر بالمعروف؛ والنهي عن المنكر؛ ويشترط له شروطه؛ وإذا دعا عليه بذلك فإن انزجر وكف؛ فذاك؛ وإلا كرره؛ وعليه حمل ما وقع في حديث ثوبان ؛ من أنه يكرره ثلاثا؛ (وإذا رأيتم من ينشد) ؛ بفتح أوله: يتطلب؛ (فيه ضالة) ؛ بالتاء؛ يقع على الذكر؛ والأنثى؛ يقال: " ضللت الشيء" ؛ إذا أخطأته؛ فلم تهتد له؛ ويختص أصالة بالحيوان؛ والمراد هنا شيء ضاع؛ (فقولوا) ؛ له: (لا رد الله عليك) ؛ أو " لا وجدت" ؛ كما في رواية؛ زجرا له عن ترك تعظيم المسجد؛ زاد مسلم : " فإن المساجد لم تبن لهذا" ؛ أي: وإنما بنيت لذكر الله (تعالى)؛ والصلاة؛ والعلم؛ والمذاكرة في الخير؛ ونحو ذلك؛ ولما وضع الشيء في غير محله؛ ناسب الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان؛ معاقبة له بنقيض قصده؛ وترهيبا؛ وتنفيرا من مثل فعله؛ فيكره ذلك بالمسجد؛ تنزيها؛ عند الشافعي ؛ إلا لضرورة؛ وقيده الحنفية بما إذا أكثر ذلك فيه؛ ونبه بذكر البيع والشراء على كل معاملة؛ واقتضاء حق؛ ورام زيادة التنبيه على ذلك بذكر النشد؛ فإن صاحب الضالة معلق القلب بها؛ وغيره مأمور بمعاونته؛ فإذا منع؛ فغيرة من كل أمر دنيوي أولى للكلام فيمن بلغه النهي؛ فخالف إذا أمكنه التعلم ففرط؛ أما غيره فمعذور؛ فلا يدعى عليه؛ بل يعلم؛ وألحق جمع - منهم الحافظ العراقي - بإنشاد الضالة؛ تعريفها؛ ولذلك قال الشافعية: يعرفها على باب المسجد؛ قال النووي : وفيه كراهة نشد الضالة؛ ورفع الصوت فيه؛ قال القاضي: قال مالك وجمع من العلماء: يكره رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغيرهما.

(ت ك) ؛ والنسائي ؛ والبيهقي ؛ (عن أبي هريرة ) ؛ قال الترمذي : حسن غريب؛ وقال الحاكم : على شرط مسلم ؛ وأقره الذهبي .



الخدمات العلمية