الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
700 - " إذا سمعتم بالطاعون بأرض؛ فلا تدخلوا عليه؛ وإذا وقع وأنتم بأرض؛ فلا تخرجوا فرارا منه " ؛ (حم ق ن)؛ عن عبد الرحمن بن عوف ؛ (ن) عن أسامة بن زيد ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا سمعتم بالطاعون) ؛ " فاعول" ؛ قال في النهاية: وهو المرض العام؛ والوباء الذي يفسد به الهوى؛ فتفسد به الأمزجة؛ (بأرض) ؛ أي: بلغكم وقوعه ببلد ومحلة؛ قال الطيبي: الباء الأولى زائدة على تضمن " سمعتم" ؛ معنى " أخبرتم" ؛ و" بأرض" ؛ حال؛ (فلا تدخلوا عليه) ؛ أي: يحرم عليكم ذلك؛ لأن الإقدام عليه تهور؛ وجرأة على خطر؛ وإيقاع النفس في معرض التهلكة؛ والعقل يمنعه؛ والشرع يأباه؛ قال القاضي: وفيه النهي عن استقبال البلاء؛ لما ذكر؛ (وإذا وقع وأنتم بأرض) ؛ أي: والحال أنكم فيها؛ (فلا تخرجوا منها فرارا) ؛ أي: بقصد الفرار منه؛ يعني: يحرم عليكم ذلك؛ لأنه فرار من القدر؛ وهو لا ينفع؛ والثبات تسليم لما لم يسبق منه اختيار فيه؛ ولتظهر مزية هذه الأمة على من تقدمهم من الأمم؛ الفارين منه؛ بما يكون من قوة توكلهم؛ وثبات عزمهم؛ كما أظهر الله مزيتهم بما آتاهم من فضله ورحمته؛ التي ينور بها قلوبهم؛ فزعم أن النهي تعبدي؛ قصور؛ قال التاج السبكي: مذهبنا - وهو الذي عليه الأكثر - أن النهي عن الفرار للتحريم؛ أما لو لم يقصد الفرار؛ كأن خرج لحاجة؛ فصادف وقوعه؛ فلا يحرم؛ وكذا لو خرج لحاجة؛ وله على ما بحثه بعض الشافعية؛ واستدل البخاري به على بطلان الحيل؛ قالوا: وهو من دقة فهمه؛ فإنه إذا نهى عن الفرار من قدر الله؛ إذا نزل؛ رضي بحكمه؛ فكيف الفرار من أمره ودينه؛ إذا نزل.

(حم ق ن؛ عن عبد الرحمن بن عوف ؛ ن؛ عن أسامة بن زيد ) ؛ وفي الحديث قصة عند الشيخين؛ وغيرهما؛ وهي أن عمر خرج إلى الشام؛ حتى إذا كان بسرغ؛ لقيه أمراء الأجناد؛ أبو عبيدة وأصحابه؛ فأخبروه أن الوباء واقع بالشام؛ فقال عمر لابن عباس : " ادع لي المهاجرين الأولين" ؛ فدعاهم؛ فاستشارهم؛ فاختلفوا؛ فقال بعضهم: خرجت لأمر؛ فلا نرى أن ترجع؛ وقال بعضهم: معك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولا نرى أن تقدم عليه؛ قال: " ارتفعوا عني" ؛ ثم دعا الأنصار؛ فاستشارهم؛ فسلكوا سبيل المهاجرين؛ فقال: " ارتفعوا" ؛ ثم قال: " ادع لي من هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح" ؛ فدعاهم؛ فلم يختلف عليه رجلان؛ فقالوا: نرى أن ترجع بالناس؛ فنادى: " إني مصبح على ظهر؛ فأصبحوا عليه" ؛ [ ص: 384 ] فقال أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله؟! فقال عمر : " لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! - وكان عمر يكره خلافه - نعم؛ نفر من قدر الله إلى قضاء الله" ؛ فجاء ابن عوف ؛ وكان متغيبا؛ فقال: " إن عندي من هذا علما؛ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:..." ؛ فذكره.



الخدمات العلمية