الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8082 - ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم (حم م د ن هـ) عن ابن عمرو .

التالي السابق


(ما من غازية) أي: ما من جماعة غازية (تغزو) بالإفراد والتأنيث للفظ غازية والمراد الجيش الذي يخرج للجهاد في سبيل الله (أو سرية) هي قطعة من الجيش سميت به لأنها تسري في خفية من سرى يسري إذا سار ليلا أو لأنها تسرى أي: تختار من الجيش وجمع بينهما لينبه على إثبات الحكم للقليل والكثير منهم فلا ملجئ لجعله شكا من بعض الرواة (في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم) السلامة والغنيمة (من الأجر ويبقى لهم الثلث) ينالونه في الآخرة بمحاربتهم أعداء الله (فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) والغزاة إذا سلموا وغنموا أجرهم أقل ممن لم يسلم ولم يغنم، قال النووي : هذا هو الصواب السالم عن المعارض ولا يعارضه خبر الشيخين إن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة لأنه لم يتعرض لكون الغنيمة تنقص الأجر أو لا، ولا قال أجره كأجر من لم يغنم بل أطلق فحمل على هذا المقيد

[تنبيه] قال القونوي : سر هذا الحديث أن مسمى الإنسان بالتعريف العام عبارة عن مجموع جسمه الطبيعي ونفسه الحيوانية وروحه المجرد المدبر لهيكله فكل فعل يصدر منه من حيث جملته المذكورة فلكل واحد من هذه الثلاثة في ذلك الفعل دخل ونصيب فالمجاهد متى غنم وسلم فقد حصل نصيب صورته الطبيعية وهو ما ينتفع به من الغنيمة من مأكول وغيره وقد قارب نفسه الحيوانية أيضا بما حصل لها من اللذة بالاستيلاء على العدو وقهره والتشفي والانتقام منه ونحو ذلك من حظوظ حيوانية فلم يبق له إلا ما محص روحه المفارق الممتاز عن بدنه في مقابلة إيمانه وصدق عزيمته وقصده بما أقدم عليه من المشاق التي ارتكبها طلبا لرضى مولاه ورغبة في إعلاء كلمته وقهرا لأعدائه وامتثالا لأمره فمتى سلم وغنم لم يحصل له من جهاده ما يصلح كونه نصيب روحه المجرد إلا ما يستحضره من صدق وعد الحق المخبر عنه وذلك أمر مستصحب لكل مؤمن صديق فوضح بذلك أن أجر المجاهدين ينقسم ثلاثة أقسام وأن السالم الغانم تعجل ثلثي أجره أعني القسمين من الثلاثة وهما حظ طبيعته وحظ نفسه الحيوانية وبقي له حظ روحه المدخر له في الآخرة. فتنبه للأسرار المودعة في الإشارات النبوية تعرف أنه (صلى الله عليه وسلم) ما ينطق عن الهوى وأن إشاراته مشتملة على مزيد العلوم ومن لم يطلعه الله عليها فليس من ورثته وإنما هو حافظ وناقل صور الأحكام دون معرفة المراد منها وضعها وما يتضمنه من الحكم (حم م ن هـ) كلهم في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص ولم يخرجه البخاري .




الخدمات العلمية