الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
919 - " أربع من سنن المرسلين: الحياء؛ والتعطر؛ والنكاح؛ والسواك " ؛ (حم ت هب) ؛ عن أبي أيوب ؛ (ح).

التالي السابق


(أربع من سنن المرسلين) ؛ من الحق إلى الخلق؛ والمراد: الرسل من بني آدم؛ بقرينة ذكر النكاح؛ (الحياء) ؛ بحاء مهملة؛ فمثناة بخط المصنف؛ وقيل: بنون؛ قال ابن العربي: هو أشبه بما قارنه من التعطر والسواك؛ وقال البيضاوي : روي " الحناء" ؛ بالنون؛ و" الحياء" ؛ بمثناة؛ و" الختان" ؛ فالأول على تقدير مضاف؛ كالاستعمال؛ والخضاب؛ فإن الحناء نفسه لا يكون سنة؛ وطريقة؛ وهو أوفق للتعطر؛ والثاني يؤول بما يقتضيه الحياء؛ ويوجبه؛ كالستر؛ وتجنب الفواحش والرذائل؛ فإن الحياء نفسه أمر جبلي؛ ليس بالكسب حتى يعد من السنن؛ والثالث ظاهر الحياء؛ بمهملة وتحتية؛ و" الختان" ؛ بمعجمة؛ ففوقية مثناة؛ و" الحناء" ؛ بمهملة؛ فنون مشددة؛ ما يخضب به؛ قال: وهذه الرواية غير صحيحة؛ ولعلها تصحيف؛ لأنه يحرم على الرجل خضب يده ورجله؛ وأما خضاب الشعر؛ فلم يكن قبل نبينا؛ فلا يصح إسناده للمرسلين؛ وقال ابن حجر: الحياء قيل: بتحتية مخففة؛ [ ص: 466 ] وقد ثبت أن الحياء من الإيمان؛ وقيل: بنون؛ فعلى الأول هي خصلة معنوية تتعلق بتحسين الخلق؛ وعلى الثاني حسية؛ تتعلق بتحسين البدن؛ وقال شيخه الزين العراقي - بعد حكايته -: إنه بتحتية؛ أو نون؛ وكلاهما غلط؛ والصواب: الختان؛ فوقعت النون في الهامش؛ فذهبت؛ فاختلف في لفظه؛ وهو أولى منهما؛ إذ الحياء خلق؛ والحناء ليس من السنن؛ ولا ذكره المصطفى في خصال الفطرة؛ بخلاف الختان؛ فإن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أمر به؛ واستمر بعده في الرسل وأتباعهم؛ حتى المسيح - عليه السلام -؛ فإنه اختتن؛ انتهى؛ وتقدمه لنحوه ابن القيم؛ فنقل في الهدي عن المزي؛ أن صوابه: " الختان" ؛ وسقطت النون؛ قال: وهكذا رواه المحاملي عن شيخه الترمذي ؛ (والتعطر) ؛ استعمال العطر؛ وهو الطيب؛ فإنه يزكي الفؤاد؛ ويقوي القلب والجوارح؛ وهم محتاجون إلى ذلك؛ لثقل الوحي: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ؛ (والنكاح) ؛ الوطء؛ لأن النور يملأ قلوبهم؛ فيفيض في العروق؛ فيكون ريح الشهوة؛ فيحدث ريح القوة؛ وشاهد ذلك من الكتاب: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ؛ (والسواك) ؛ لأن الفم طريق لكتاب الله المنزل عليهم؛ ومحل لمناجاة الملك؛ فيتأكد في حقهم أكثر.

(تنبيه): هذا الحديث ظاهره مشكل؛ فإن نوحا أول الرسل؛ كما يأتي في خبر؛ ولم يختتن؛ إذ أول من اختتن إبراهيم؛ كما مر في الخبر؛ وعيسى لم يتزوج؛ وكونه يتزوج بعد نزوله بفرض تسليم وروده؛ غير دافع للشبهة؛ فإنه إنما ينزل محمديا؛ عالما بأحكام هذه الملة؛ ولا مخلص من ذلك إلا بأن يقال: المراد بالمرسلين: أكثرهم.

(حم ت هب) ؛ كلهم من حديث مكحول ؛ عن ابن السماك ؛ (عن أبي أيوب) ؛ الأنصاري ؛ قال الترمذي : حسن غريب؛ انتهى؛ وتبعه المصنف؛ فرمز لحسنه؛ وقال المناوي وغيره: فيه أبو الثمال؛ مجهول الحال؛ وقال ابن محمود؛ شارح أبي داود: في سنده ضعيف ومجهول؛ وقال ابن العربي في شرح الترمذي : فيه الحجاج ؛ ليس بحجة؛ وعباد بن العوام.



الخدمات العلمية