الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9529 - نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط (حم د هـ) عن معقل الأسدي.

التالي السابق


(نهى أن نستقبل القبلتين) قال الحافظ العراقي: ضبطناه بفتح النون، ولا يصح كونه بضم الياء على أنه مبني للمفعول لنصب "القبلتين"، والمراد بهما الكعبة وبيت المقدس، فهو من قبيل المجاز بالنسبة لما كان، أو هو للتغليب كالقمرين والعمرين (ببول أو غائط) تحريما بالنسبة للكعبة بشرطه، وتنزيها بالنسبة لبيت المقدس بنقل النووي الإجماع على عدم التحريم، ولا يمتنع مع ذلك جمعهما في لفظ واحد، فغاية ما فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز بناء على الأصح: أن النهي حقيقة في التحريم، مجاز في الكراهة، وأما إذا جعل حقيقة فيهما فلا يلزم ذلك. هذا أظهر الأجوبة، وهو الذي عول عليه النووي، وأما الجواب بأن النهي منسوخ، وبأنه نهى عن استقبال بيت المقدس حين كان قبلة، ثم عن استقبال الكعبة حين صارت قبلة، فجمعهما الراوي ظنا منه أن النهي مستمر، وبأن المراد بالنهي أهل المدينة ومن على سمتها فقط، لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبار الكعبة، فنهيهم لاستدبار الكعبة لا لحرمة استقبال بيت المقدس كما نقله الماوردي ، فرد الأول بأن النسخ لا يثبت إلا بدليل، والثاني بأن فيه توهيم الراوي في جمعه بينهما بلا مستند، وكلام أحمد بن حنبل يقتضي اجتماع النهيين في زمن واحد، وعن الثالث بأن الأصل عدم تخصيص الحكم ببعض البلاد، والنهي عن استقبالهم ورد في وقت واحد، وهو عام لجميع المدن. وقول الحافظ ابن حجر: أخذ بظاهر هذا الحديث جمع منهم ابن سيرين فحرموا استقبال القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس بذلك، وهو حديث ضعيف في حيز المنع، كيف؟ ولم يصرح منهم أحد بالتحريم، وإنما الوارد عن مجاهد وابن سيرين والنخعي أنهم كرهوا ذلك، ومرادهم كراهة التنزيه لنقل النووي في المجموع -كالخطابي- الإجماع على عدم التحريم، وزعمه -أعني ابن حجر- أن بعض الشافعية قال به -أي التحريم- غلط، وإنما نقل الروياني عن أصحابنا الكراهة لكونه كان قبلة، ومراده كراهة التنزيه، فإنهم إذا أطلقوا الكراهة إنما يعنونها، وظاهر الحديث أنه لا فرق في الكراهة بين الصحراء والبنيان، وقد أطلق في الروضة الكراهة أيضا، قال المحقق أبو زرعة : وقياس مذهبنا اختصاصها بالصحراء

(حم د هـ عن معقل) بن أبي معقل، بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف فيهما، وهو معقل بن الهيثم ، ويقال ابن أبي الهيثم (الأسدي) بفتح السين، حليف لبني زهرة بن خزيمة، وقيل إنما هو الأزدي، بزاي لا بسين، صحابي مدني، له من المصطفى صلى الله عليه وسلم حديثان هذا أحدهما، وسكت عليه أبو داود فهو عنده صالح، بل قال ابن محمود شارحه في إسناده: جيد، وخالفه الذهبي فقال في المهذب: فيه عند أبي داود أبو زيد مولى بني ثعلبة، لا يدرى من هو، وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه : إسناده ضعيف للجهل بحال راويه أبي زيد، فإني لم أر من تعرض لمعرفة حاله، وسماه [ ص: 344 ] أبو داود الوليد، وذكره ابن عبد البر في الاستقصاء ولم يسمه، وسكوت أبي داود والمنذري عليه لا يكفي، وينضم لجهالته انقطاع حديثه فيما ذكره العسكري من أن معقلا مات زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون منقطعا لأنه غير صحابي ولا ذكره فيهم أحد، لكن قال ابن سرور: مات زمن معاوية فهو متصل، والقلب إليه أميل اهـ. لكن قال النووي في الخلاصة: إسناده حسن، وفي شرحه لأبي داود: جيد، ومراده حسن لغيره، لوروده من طرق أخرى عند البيهقي في الخلافيات، وابن عدي عن ابن عمر بإسناد ضعيف.



الخدمات العلمية