الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1021 - " أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة؛ من قال: لا إله إلا الله؛ خالصا مخلصا من قلبه " ؛ (خ)؛ عن أبي هريرة .

التالي السابق


(أسعد الناس) ؛ أي: أحظاهم؛ (بشفاعتي) ؛ من " الشفع" ؛ وهو ضم الشيء إلى مثله؛ كأن المشفوع له كان فردا؛ فجعله الشفيع شفعا؛ بضم نفسه إليه؛ و" الشفاعة" : الضم إلى آخر؛ معاونا له؛ وأكثر ما يستعمل في انضمام الأعلى إلى الأدنى؛ (يوم القيامة) ؛ يوم الجزاء الأعظم؛ (من قال: لا إله إلا الله) ؛ أي: مع " محمد رسول الله" ؛ فجعل الجزء من كلمة الشهادة شعارا لمجموعها؛ فالمراد الكلمة بتمامها؛ كما تقول: قرأت: الم ذلك الكتاب ؛ أي: السورة بتمامها؛ والمراد من قال ذلك من إنس؛ وجن؛ وملك؛ ولا ينافيه التقييد بالناس؛ لأنه مفهوم لقب؛ ولا حجة فيه عند الجمهور؛ (خالصا) ؛ عن شوب شرك؛ أو نفاق؛ فالمراد بالقول: النفساني؛ لا الكلامي فقط؛ أو ذكر تغليبا؛ إذ الغالب أن من صدق بالقلب؛ قال باللسان؛ (مخلصا من قلبه) ؛ أو " نفسه" ؛ هكذا هو على الشك عند البخاري ؛ وقوله: " مخلصا" ؛ تأكيد لـ " خالصا" ؛ فالمراد: الإخلاص المؤكد البالغ غايته؛ ويدل على إرادة تأكيده ذكر القلب؛ إذ الإخلاص معدنه القلب؛ ففائدته التأكيد؛ كما في فإنه آثم قلبه ؛ قال في الكشاف: لما كان " آثم" ؛ مقترنا بالقلب؛ أسند إليه؛ لأن إسناده الفعل إلى الجارحة التي يعمل فيها؛ أبلغ؛ ألا تراك إذا أردت التأكيد تقول: أبصرته بعيني؛ وسمعته بأذني؟! وقوله: " من قلبه" ؛ متعلق بـ " مخلصا" ؛ أو يقال: والأولى - كما قاله الكرماني - الثاني؛ ثم إن تعلق يقال: فالظرف لغو؛ وإلا فمستقر؛ إذ تقديره: " ناشئا عن قلبه" ؛ قال البيضاوي : و" أسعد" ؛ بمعنى: " سعيد " ؛ إذ لا يسعد بشفاعته من ليس من أهل التوحيد؛ أو المراد بمن قال من لا عمل له يستحق به الرحمة؛ ويستوجب به الخلاص من النار؛ لأن احتياجه للشفاعة أكثر؛ والشفاعة بها أوفر؛ قال الكرماني: " أفعل" ؛ بمعنى " فعيل" ؛ يعني: " سعيد الناس" ؛ كقولهم: " الناقص" ؛ و" الأشج" ؛ أعدلا بني مروان ؛ أو هو بمعناه الحقيقي المشهور؛ والتفضيل بحسب المراتب؛ أي: هو أسعد ممن لم يكن في هذه الرتبة؛ وقال ابن حجر: أراد بالشفاعة بعض أنواعها؛ وهي إخراج من بقلبه مثقال ذرة من إيمان؛ أما العظمى؛ فأسعد الناس بها السابقون إلى الجنة؛ وهم من يدخل بغير حساب؛ ثم الذين يلونهم؛ وأشار بـ " أسعد" ؛ إلى اختلاف مراتبهم في السبق؛ فهي على بابها؛ لا بمعنى " سعيد " ؛ والأولى أن يقال: كل أحد يحصل له سعادة بسبب شفاعته؛ لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها؛ فإن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يشفع في الخلق؛ لإراحتهم من هول الموقف؛ ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب؛ كأبي طالب؛ ويشفع في قوم من المؤمنين بالخروج من النار؛ بعد دخولها؛ وفي بعضهم بعدم الدخول بعد استحقاقه؛ وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب؛ وفي بعضهم برفع الدرجات؛ فاستبان الإشراك في السعادة بالشفاعة؛ فإن أسعدهم بها المؤمن الخالص المخلص.

(خ)؛ في كتاب الإيمان؛ (عن أبي هريرة ) ؛ قال: قلت: يا رسول الله؛ من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: " لقد ظننت ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك - أي: أقدم منك - لما رأيت من حرصك على الحديث؛..." ؛ ثم ذكره.



الخدمات العلمية