الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1097 - " أطت السماء؛ وحق لها أن تئط؛ والذي نفس محمد بيده؛ ما فيها موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله ويحمده " ؛ ابن مردويه ؛ عن أنس ؛ (ض).

التالي السابق


(أطت السماء) ؛ بفتح الهمزة؛ وشد الطاء: صاحت؛ وأنت؛ وصوتت من ثقل ما عليها من ازدحام الملائكة؛ وكثرة الساجدين فيها منهم؛ من " الأطيط" ؛ وهو صوت الرحل والإبل من حمل أثقالها؛ و" ال" ؛ للجنس؛ (وحق لها) ؛ وفي رواية: " ويحقها" ؛ (أن تئط) ؛ بفتح المثناة فوق؛ وكسر الهمزة؛ وشد الطاء؛ أي: صوتت؛ وحق لها أن تصوت؛ لأن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلتها؛ حتى أطت؛ قال ابن الأثير: وهذا مثل؛ وإيذان بكثرة الملائكة كثرة لا يسعها عقل البشر؛ وإن لم يكن ثم أطيط؛ وإنما هو تقريب أريد به تقرير عظمة الله (تعالى)؛ قال ابن حجر: وقوله " تئط" ؛ بفتح أوله؛ وكسر الهمزة؛ و" الأطيط" : صوت البعير المثقل؛ (والذي) ؛ أي: والله؛ الذي؛ (نفس محمد بيده) ؛ أي: بقدرته؛ وإرادته؛ وتصريفه؛ (ما فيها موضع شبر) ؛ ولا أقل منه؛ بدليل رواية: " ما فيها موضع أربع أصابع" ؛ (إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله ويحمده) ؛ أي: يقول حال سجوده: " سبحان الله؛ وبحمده" ؛ فهذا هو الذكر المأثور للملائكة فيه؛ والذكر المأثور للبشر: " سبحان ربي الأعلى" ؛ وهذا على طريق الاستعارة بالكناية؛ شبه السماء بذي صوت من الإبل المقتوبة؛ فأطلق المشبه؛ وهو السماء؛ وأراد المشبه به؛ وهو الإبل؛ ثم ذكر شيئا من لوازم الإبل والأقتاب؛ وهو الصوت المعبر عنه بقوله: " أطت السماء" ؛ ينتقل الذهن منه؛ روى ابن عساكر أن في السماء ملائكة قياما؛ لا يجلسون أبدا؛ وسجودا؛ لا يرفعون أبدا؛ وركوعا؛ لا يقومون أبدا؛ يقولون: " ربنا؛ ما عبدناك حق عبادتك" ؛ أهـ؛ وقال ابن الزملكاني: وقد دل هذا الخبر ونحوه على أن الملائكة أكثر المخلوقات عددا؛ وأصنافهم كثيرة؛ وقد ورد في القرآن من ذلك ما يوضحه؛ ومعرفة قدر كثرتهم؛ [ ص: 537 ] وتفصيل أصنافهم موكول إليه - سبحانه وتعالى -: وما يعلم جنود ربك إلا هو ؛ وقيل: إن المكلفين أربعة أصناف: الإنسان؛ والملك؛ والجن؛ والشياطين؛ وبنو آدم عشر الجن؛ والجن عشر حيوان البحر والطير؛ والكل عشر ملائكة سماء الدنيا؛ وكلهم عشر ملائكة السماء الثانية؛ وهكذا؛ إلى ملائكة الكرسي؛ ثم العرش؛ وفي كتاب الزاهر وغيره عن الأوزاعي وغيره؛ أن في مناجاة موسى قال: " يا رب؛ من عبدك قبل آدم؟" ؛ قال: " الملائكة" ؛ قال: " يا رب؛ كم هم؟" ؛ قال: " اثنا عشر ألف سبط" ؛ قال: " كم السبط؟" ؛ قال: " مثل الجن والإنس والطير والبهائم اثني عشر ألف مرة" ؛ وفي رواية: " كم عدد كل سبط؟" ؛ قال: " عدد التراب" ؛ وفي تذكرة الإمام الرازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عرج به إلى السماء؛ رأى ملائكة في محل عال مشرف؛ ورأى بعضهم يمشي تجاه بعض؛ فسأل جبريل: " أين يذهبون؟" ؛ فقال: " والذي بعثك بالحق؛ لا أدري؛ إلا أني أراهم هكذا منذ خلقت؛ ولا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك" ؛ وفي الفتوحات: لا يزال الحق يخلق من أنفاس العالم ملائكة ما داموا متنفسين؛ والأخبار والآثار الدالة على أكثريتهم لا تكاد تحصى.

( ابن مردويه ) ؛ في التفسير؛ (عن أنس ) ؛ ابن مالك ؛ رمز المؤلف لضعفه؛ ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم ؛ عن أبي ذر ؛ مرفوعا؛ بلفظ: " أطت السماء؛ وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك واضع جبهته" ؛ وفي رواية الترمذي : " ساجدا لله (تعالى)" ؛ وهذا الحديث حسن؛ أو صحيح.



الخدمات العلمية