الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1141 - " أعتموا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم؛ ولم تصلها أمة قبلكم " ؛ (د)؛ عن معاذ بن جبل ؛ (ح).

التالي السابق


(أعتموا) ؛ بفتح الهمزة؛ وكسر المثناة فوق؛ (بهذه الصلاة) ؛ صلاة العشاء؛ والباء للتعدية؛ أي: ادخلوها في العتمة؛ وهي ما بعد غيبوبة الشفق؛ أو للمصاحبة؛ أي: ادخلوها في العتمة؛ ملتبسين بها؛ قال البيضاوي : " أعتم الرجل" ؛ دخل في العتمة؛ وهي ظلمة الليل؛ أي: صلوها بعدما دخلتم في الظلمة؛ وتحقق لكم سقوط الشفق؛ ولا تستعجلوا فيها؛ فتوقعوها قبل وقتها؛ وعليه فلا يدل على أفضلية التأخير؛ ويحتمل أنه من " العتم" ؛ الذي هو الإبطاء؛ يقال: " أعتم الرجل" ؛ إذا أخر؛ أهـ؛ (فإنكم قد فضلتم) ؛ بالبناء للمفعول؛ (بها على سائر الأمم؛ ولم تصلها أمة قبلكم) ؛ والمناسبة بين تأخيرها؛ واختصاصها بنا؛ المجوز لجعل الثاني علة للأول؛ أنهم إذا أخروها منتظرين خروج النبي كانوا في صلاة؛ وكتب لهم ثواب المصلي؛ وفيه أن تأخير العشاء أفضل؛ وإليه ذهب جمع منا؛ فقالوا: تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل؛ لكن المفتى به خلافه؛ لأدلة أخرى؛ قال المؤلف: وفي خبر أحمد والطبراني ما يدل على نسخ التأخير بالتعجيل؛ قال المصنف: وقوله: " فضلتم بها..." ؛ إلخ؛ [ ص: 555 ] يبطل نقل الإسنوي عن شرح مسند الشافعي للرافعي أن العشاء ليونس؛ وقد أخرج الطحاوي عن عبد الله بن محمد بن عائشة ؛ أن أول من صلى العشاء الآخرة نبينا؛ أهـ؛ وهو زلل فاحش؛ أما أولا فلأن الرافعي لم يقل ذلك من عنده؛ بل أورد فيه حديثا؛ وبفرض أنه لم يرد به خبر؛ فما الذي يصنعه بقول جبريل حين صلى به الخمس: " هذا وقت الأنبياء من قبلك" ؟ فهل يسعه أن يقول: أثر الطحاوي هذا الضعيف الذي صرح بعض الأئمة بعدم ثبوته؛ يبطل خبر الصحيحين أيضا؛ على أنه قد روى ابن سعد في: " استمتعوا بهذا البيت" ؛ المار؛ أن إبراهيم وإسماعيل أتيا منى؛ فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح؛ وأما ثانيا فإن تعبيره بقوله: " يبطل نقل الإسنوي" ؛ ركيك؛ بل سقيم؛ فاسد؛ فإنه إنما يبطل على زعمه منقوله؛ لا نقله؛ فإن ما نقله الإسنوي عن شرح المسند موجود فيه؛ وجلالة الإمام الرافعي ورفعة محله أشهر من أن تذكر؛ فالأدب معه متعين على كل من انتسب إلى مذهب الإمام الشافعي ؛ وأما ثالثا فلأن ظاهر حاله أنه يزعم أن هذا من عندياته؛ وبنات أفكاره التي لم يسبق إليها؛ ولم يعرج أحد عليها؛ وهو قصور؛ أو تقصير؛ فقد تقدمه للكلام فيه العلامة الهروي؛ وجمع صاروا إلى التوفيق بما حاصله أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أول من صلاها مؤخرا لها إلى ثلث الليل؛ أو نحوه؛ وأما الرسل فكانوا يصلونها عند أول مغيب الشفق؛ ويدل لذلك؛ بل يصرح به قوله في أثر الطحاوي نفسه: العشاء الآخرة؛ وبأن الرسل كانت تصليها نافلة لهم؛ ولم تكتب على أممهم؛ ومن صرح بذلك القاضي البيضاوي في شرح المصابيح؛ فقال: التوفيق بين قوله: " لم تصلها أمة قبلكم" ؛ وقوله في حديث جبريل: " هذا وقت الأنبياء من قبلك" ؛ أن يقال: إن صلاة العشاء كانت تصليها الرسل نافلة لهم؛ ولم تكتب على أممهم؛ كالتهجد؛ فإنه وجب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ ولم يجب علينا؛ أو يجعل هذا إشارة إلى وقت الإسفار؛ فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية؛ والأمم الدارجة؛ بخلاف سائر الأوقات؛ إلى هنا كلامه.

(د)؛ في الصلاة؛ وكذا البيهقي وأحمد والطبراني ؛ (عن معاذ بن جبل ) ؛ قال: استبطأنا النبي - أي: انتظرناه - العتمة؛ فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج؛ والقائل ما يقول: صلى؛ فإنا لكذلك حتى خرج؛ فقالوا له كما قالوا؛ فذكره؛ رمز المؤلف لحسنه.



الخدمات العلمية