الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
137 - " اتقوا القدر؛ فإنه شعبة من النصرانية " ؛ ابن أبي عاصم ؛ (طب عد) ؛ عن ابن عباس .

التالي السابق


(اتقوا القدر) ؛ بالتحريك؛ أي: احذروا إنكاره؛ فعليكم أن تعتقدوا أن ما قدر في الأزل لا بد من وقوعه؛ وما لم يقدر فوقوعه محال؛ وأنه (تعالى) قدر الخير؛ والشر؛ قبل خلق الخلق؛ وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره؛ خالق كل شيء؛ أو المراد: احذروا الخوض فيه؛ وقد ورد النهي عن الخوض فيه في غير ما حديث؛ قال ابن رجب: والخوض فيه يكون على وجوه؛ منها ضرب القرآن بعضه ببعض؛ فينزع المثبت للقدر بآية؛ والنافي بأخرى؛ ويقع التجادل؛ ومنها الخوض فيه إثباتا؛ ونفيا؛ بالأقيسة العقلية؛ كقول القدرية: لو قدر ثم غلب ظلم؛ وقول مخالفيهم: إن الله جبر العباد على أفعالهم؛ ومنها الخوض في سر القدر؛ فإن العباد لا يطلعون على حقيقته؛ انتهى؛ ومن هذا التقدير عرف أن المنهي عنه الخوض والتوغل؛ لا النظر في أصله؛ فإنه مطلوب محبوب؛ بل واجب على من قدر على تحقيقه؛ ألا ترى إلى قول المولى ابن الكمال: النظر في أصل القدر مما يثاب عليه؛ وأما الخوض في تفصيله؛ وزيادة التوغل في أسراره؛ فمنهي عنه؟ انتهى؛ قال الإمام أبو الليث : إن استطعت ألا تخاصم في مسألة القدر فافعل؛ فإن الشارع نهى عن الخوض فيه؛ فكما أن الخوض في ذلك البحر المتلاطم أمواجه؛ والغوص في جوفه المظلم منهي عنه؛ فكذلك الجدل فيه؛ إذ لا يخلو عن الخلل؛ فلذلك نهى عنه صاحب الشرع؛ وفي حواشي الكشاف كتب عمر بن عبد العزيز لبعضهم: " بلغني أنك قدري" ؛ فكتب إليه: " من أنكر القدر فقد فجر؛ ومن ورك ذنبه على الله فقد كفر؛ ولم يدر أن ما فاته حجة عليه؛ لا له" ؛ (فإنه شعبة من النصرانية) ؛ أي: فرقة من فرق دين النصارى؛ لأن المعتزلة الذين هم القدرية أنكروا إيجاد الباري - سبحانه وتعالى - فعل العبد؛ فجعله بعضهم كالجبائية؛ غير قادر على عينه؛ والبعض كالبلخي؛ وأتباعه؛ غير قادر على مثله؛ وجعلوا العبد قادرا على فعله؛ فهو إثبات للشريك؛ كقول النصارى؛ فالإيمان؛ والكفر عندهم من فعل العبد؛ لا من فعل الرب؛ وبذلك كفرهم قوم؛ لكن المختار عدم تكفيرهم؛ لتعارض الشبهة عليهم؛ قال في القاموس: و" النصرانية" ؛ واحدة " النصارى" ؛ و" النصرانية" ؛ أيضا دينهم؛ و" الشعبة" ؛ بالضم: الطائفة من الشيء؛ وفي الصحاح: " شعب الشيء" ؛ فرقه؛ ( ابن أبي عاصم ) ؛ أحمد بن عمرو .

(طب؛ عد) ؛ كلهم (عن) ؛ عبد الله ؛ ( ابن عباس ) ؛ قال الهيتمي: وفيه نزار بن حيان؛ ضعيف؛ انتهى؛ وفي الميزان فيه لين؛ وقال ابن حبان : يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه؛ حتى يسبق إلى القلب أنه المعتمد لذلك؛ ثم ساق له هذا الخبر؛ أهـ.



الخدمات العلمية