الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
154 - " أتموا الركوع والسجود؛ فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من وراء ظهري إذا ركعتم؛ وإذا سجدتم " ؛ (حم ق ن) ؛ عن أنس ؛ (صح).

التالي السابق


(أتموا الركوع والسجود) ؛ أي: ائتوا بهما تامين كاملين؛ بشرائطهما وسننهما وآدابهما؛ وأوفوا الطمأنينة فيهما حقها؛ فتجب الطمأنينة فيهما في الفرض؛ وكذا في النفل؛ عند الشافعية؛ وذلك بأن تستقر أعضاؤه في محلها؛ قال الحراني : " الإتمام" : التوفية لما له صورة تلتئم من أجزاء وآحاد؛ (فو) ؛ الله؛ (الذي نفسي بيده) ؛ أراد بالنفس ذاته وجملته؛ وباليد قدرة الله (تعالى)؛ وتصرفه فيه؛ إشارة إلى أن إرادته وتصرفه مغموران في إرادة الله وتصرفه؛ وفيه جواز القسم بما ذكره؛ ونحوه من كل ما يفهم منه ذات الله (تعالى)؛ تأكيدا للأمر وتفخيما للشأن؛ (إني لأراكم) ؛ بلام التوكيد؛ وبفتح الهمزة؛ (من وراء ظهري إذا ركعتم؛ وإذا سجدتم) ؛ وفي رواية لمسلم: " إذا ما ركعتم؛ وإذا ما سجدتم" ؛ بزيادة " ما" ؛ وهذه رؤية إدراكية؛ فلا تتوقف إلى آلتها؛ ولا على شعاع؛ ومقابلة؛ خرقا للعادة؛ ولا يلزم من فرضه محال؛ وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها؛ وقول الزاهدي: كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط؛ يرى بهما؛ ولا يحجبهما شيء؛ لم يثبت؛ ولما كانت هذه الرؤية الإدراكية خارجة عن القوانين العادية؛ أكد بالقسم؛ وبـ " إن" ؛ واللام؛ دفعا للإنكار؛ قال الحليمي: لا سبيل للملحدين إلى استنكار ذلك؛ فإنهم يدعون لفيثاغورش أنه كان يسمع أصوات الأفلاك؛ وصرير حركة الكواكب؛ وألف الألحان عليها؛ وهم عندنا كاذبون؛ إلا أن يثبت أنه كان نبيا؛ وزعم أن هذه رؤية قلبية أو بوحي؛ رد بأنه تعطيل للفظ الشارع بلا ضرورة؛ فحمله على ظاهره؛ وأنه إبصار حقيقي خاص به؛ خرقا للعادة؛ معجزة له؛ أولى؛ قال ابن حجر: وظاهر الحديث أن ذلك خاص بحالة الصلاة؛ ويحتمل العموم؛ انتهى؛ وكلام جمع متقدمين مصرح بالعموم؛ ألا ترى إلى قول المطامح وغيرها: إنه كان يبصر من خلفه؛ لأنه كان يرى من كل جهة؛ من حيث كان نورا كله؟! وهذا من عظيم معجزاته؛ ولهذا كان لا ظل له؛ لأن النور الذي أفيض عليه منع من حجب الظلمة؛ وقد كان يدعو بسبعة عشر نورا؛ فبهذه الأنوار أبصر من كل جهة؛ ولذلك تجلت له الجنة في الجدار؛ لفقد الحجب؛ وزاد لفظ الظهر؛ ولم يكتف بقوله: " وراء" ؛ لأن " وراء" ؛ يراد به تارة " خلف" ؛ وتارة " أمام" ؛ فإذا قلت: " زيد ورائي" ؛ صح أن يراد في المكان الذي أواريه أنا؛ بالنسبة لمن خلفي؛ فيكون أمامي؛ أو يراد في المحل الذي [ ص: 146 ] هو متوار عني؛ فيكون خلفي؛ وقال الحراني : وراء ما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان؛ فربما اجتمع أن يكون الشيء وراء؛ من حيث كونه لا يعلم؛ وأماما في المكان؛ وقال القاضي: " وراء" ؛ في الأصل مصدر؛ جعل ظرفا؛ يضاف للفاعل؛ ويراد به ما يتوارى؛ وهو خلفه؛ وللمفعول؛ ويراد به ما يواريه؛ وهو قدامه ولهذا عد من الأضداد.

(حم ق ن؛ عن أنس ) ؛ ابن مالك ؛ وفي الباب غيره أيضا؛ وفيه وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود؛ وخصه أبو حنيفة بالفرض؛ وعمم الشافعي - رضي الله (تعالى) عنه.



الخدمات العلمية