الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
247 - " احذروا الشهوة الخفية: العالم يحب أن يجلس إليه " ؛ (فر)؛ عن أبي هريرة ؛ (ض).

التالي السابق


(احذروا الشهوة) ؛ هي كما قال الحراني : نزوع النفس إلى محسوس محبوب لا يتمالك عنه؛ وفي المصباح: هي اشتياق النفس إلى الشيء؛ (الخفية) ؛ قالوا: يا رسول الله؛ وما الشهوة الخفية؟ قال: (العالم يحب أن يجلس) ؛ بالبناء للمفعول؛ أي: يجلس الناس؛ (إليه) ؛ فإن ذلك يبطل عمله؛ لتفويته الإخلاص؛ وتصحيح النية؛ فليس الشأن حفظ العلم؛ بل في صونه؛ عما يفسده؛ كالرياء والعجب والتعاظم؛ بإظهار علمه؛ وذلك سم وخيم؛ وسهم من سهام الشيطان الرجيم؛ أخرج العلائي؛ في أماليه؛ عن علي - كرم الله وجهه -: " سيكون أقوام يحملون العلم؛ لا يجاوز تراقيهم؛ يخالف علمهم عملهم؛ وسرهم علنهم؛ يجلسون حلقا حلقا؛ يباهي بعضهم بعضا؛ حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس لغيره؛ ويدعه؛ أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله (تعالى)" ؛ وقال كعب الأحبار : " سيكون في آخر الزمان علماء يتغايرون على العلم؛ كما تتغاير النساء على الرجال؛ يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره؛ أو أخذ عنه؛ أولئك الجبارون؛ أعداء الرحمن" ؛ وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن عيينة أن ربيعة بكى؛ فقيل: ما يبكيك؟ قال: " رياء حاضر؛ وشهوة خفية" ؛ والناس عند علمائهم كغلمان في حجور أمهاتهم؛ إن أمروهم ائتمروا؛ وإن نهوهم انتهوا؛ قال الغزالي: هذا هو الانتكاس على أم الرأس؛ وفاعله الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين؛ ناكسا رأسه عند ربه؛ انظر كيف انتهى أمر الذين يزعمون التقرب إلى الله (تعالى) بالعلم؛ يبذلون المال والجاه؛ ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين؛ لاستطلاق الجرايات؛ ويتوقع المعلم في نفس المتعلم أن ينقطع إليه؛ ويقتصر عليه؛ ويقوم معه في كل نائبة؛ وينصر وليه؛ ويعادي عدوه؛ وينهض حمارا له في حاجاته؛ مسخرا بين يديه في أوطاره ومهماته؛ فإن قصر غضب عليه وعاداه؛ فأخسئ بعالم يرضى لنفسه بهذه المرتبة؛ ثم يفرح بها؛ ثم لا يستحي أن يقول: غرضي من التدريس نشر العلم؛ تقربا إلى الله (تعالى)! انتهى؛ فهذا حال زمن الغزالي؛ فلو رأى زماننا هذا!! قال البيهقي : فعلى هذا ينبغي للعالم أن يكون فعله لوجه الله (تعالى)؛ لا يريد أن يزداد من الناس جاها؛ أو على أقرانه استعلاء؛ أو لأضداده إقماء؛ وألا يريد أن يكثر الآخذون عنه؛ وإذا حضروا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره؛ وألا يكون علمه أظهر في الناس من علم غيره؛ بل يقصد أداء الأمانة بنشر ما عنده؛ وإحياء معالم الدين؛ وصونها عن الدروس.

(تتمة) : قال في الحكيم: ادفن وجودك في أرض الخمول؛ فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه.

(فر؛ عن أبي هريرة ) ؛ ولم يرمز له بشيء؛ قال [ ص: 189 ] ابن حجر: وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي؛ متروك.



الخدمات العلمية