الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2706 - "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا؛ والآخرة؛ ليس بيني وبينه نبي ؛ والأنبياء أولاد علات؛ أمهاتهم شتى؛ ودينهم واحد"؛ (حم ق د)؛ عن أبي هريرة .

التالي السابق


(أنا أولى الناس) ؛ أي: أخص؛ ( بعيسى ابن مريم ) ؛ وصفه بأمه؛ إيذانا بأنه لا أب له؛ أي: الذي خلق منها بغير واسطة ذكر؛ يعني: أنا أقربهم إليه؛ (في الدنيا) ؛ وفي رواية: "في الأولى"؛ لأنه بشر أنه يأتي من بعده؛ ومهد قواعد دينه؛ ودعا الخلق إلى تصديقه؛ ولما كان ذلك قد لا يلازم الأولوية بعد الموت؛ قال: (وفي الآخرة) ؛ أيضا؛ ثم كأن سائلا قال: ما سبب الأولوية؟ فأجاب بقوله: (ليس بيني وبينه نبي) ؛ أي: من أولي العزم؛ فلا يرد خالد بن سنان ؛ بفرض تسليم كونه بينهما؛ وإلا فقد قيل: إن في سند خبره مقالا؛ وإنما دل بهذه الجملة الاستثنائية على الأولوية؛ لأن عدم الفصل بين الشريعتين؛ واتصال ما بين الدعوتين؛ وتقارب ما بين الزمنين؛ صيرهما كالنسب؛ الذي هو أقرب الأنساب؛ (والأنبياء أولاد علات) ؛ بفتح المهملة؛ أي: إخوة لأب؛ و"العلات": أولاد الضرائر من رجل واحد؛ و"العلة": الضرة؛ (أمهاتهم شتى) ؛ أي: متفرقة؛ فأولاد العلات هم أولاد الرجل من نسوة متفرقة؛ سميت "علات"؛ لأن الزوج قد عل من المتأخرة؛ بعدما نهل من الأولى؛ (ودينهم واحد) ؛ أي: أصل دينهم واحد؛ وهو التوحيد؛ وفروع شرائعهم مختلفة؛ شبه ما هو المقصود من بعثة جملة الأنبياء؛ وهو إرشاد الخلق ؛ بالأب؛ وشبه شرائعهم المتفاوتة في الصورة؛ بأمهات؛ قال القاضي : والحاصل أن الغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعا لأجلها: دعوة الخلق إلى معرفة الحق؛ وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم؛ ويحسن معادهم؛ فهم متفقون في هذا الأصل؛ وإن اختلفوا في تفاريع الشرائع؛ فعبر عما هو الأصل المشترك بين الكل؛ بالأب؛ ونسبهم إليه؛ وعبر عما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصور المتقاربة في الغرض؛ بالأمهات؛ وأنهم وإن تباينت أعصارهم؛ وتباعدت أعوامهم؛ فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم؛ كل في عصره؛ واحد؛ وهو الدين الحق؛ الذي فطر الناس مستعدين لقبوله؛ متمكنين من الوقوف عليه؛ والتمسك به؛ فعلى هذا؛ المراد بالأمهات: الأزمنة التي اشتملت عليهم؛ ويحتمل تقريره بوجه آخر؛ وهو أن أرواح الأنبياء؛ لما بينها من التشابه والاتصال؛ كالشيء الواحد المباين بالنوع لسائر الأرواح؛ فهم كأنهم متحدون بالنفس؛ التي هي بمنزلة الصورة المشبهة بالآباء؛ مختلفون بالأبدان؛ التي هي بمنزلة المرأة المشبهة بالأمهات؛ انتهى؛ وقال الطيبي : كما [ ص: 48 ] يحتمل أن يراد بالأولى والآخرة: الدنيا؛ والقيامة؛ ويحتمل أن يراد بهما الحالة الأولى؛ وهي كونه مبشرا؛ والحالة الآخرة؛ وهي كونه ناصرا مقويا لدين المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولا تعارض بين هذا؛ وبين آية: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي ؛ أي: أنا أخصهم به؛ لأن الحديث وارد في كونه - عليه الصلاة والسلام - متبوعا؛ والتنزيل في كونه تابعا؛ وله الفضل تابعا؛ ومتبوعا؛ فإن قيل: أي تعلق لهذا بأمهات الأنبياء؟ فالجواب أنه تنبيه على فضل أمه؛ قال الزمخشري : و"عيسى"؛ بالسريانية: "إيسوع"؛ و"مريم"؛ بمعنى: "الخادم"؛ وقيل: "مريم"؛ بالعربية من النساء؛ كالزين من الرجال؛ ووزن "مريم"؛ عند النحاة: "مفعل"؛ لأن "فعيلا"؛ بفتح الفاء؛ لم يثبت في الأبنية؛ وفيه إبطال لزعم أنه كان بعد - عيسى عليه الصلاة والسلام - أنبياء ورسل ؛ منهم خالد بن سنان .

(حم ق د؛ عن أبي هريرة ) .




الخدمات العلمية