الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2707 - "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ فمن توفي من المؤمنين؛ فترك دينا؛ فعلي قضاؤه؛ ومن ترك مالا فهو لورثته" ؛ (حم ق ن هـ)؛ عن أبي هريرة ؛ (صح) .

التالي السابق


(أنا أولى بالمؤمنين) ؛ بنص رب العالمين؛ قال (تعالى): النبي أولى بالمؤمنين ؛ قال بعض الصوفية: وإنما كان أولى بهم من أنفسهم؛ لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك؛ وهو يدعوهم إلى النجاة؛ ويترتب على كونه أولى أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات نفوسهم؛ وإن شق عليهم؛ وأن يحبوه بأكثر من محبتهم لأنفسهم؛ ويدخل فيه النساء بأحد الوجهين المفصلين في علم الأصول؛ (من أنفسهم) ؛ أي: أنا أولى بهم من أنفسهم في كل شيء من أمر الدارين؛ لأني الخليفة الأكبر؛ الممد لكل موجود؛ فيجب عليهم أن أكون أحب إليهم من أنفسهم؛ وحكمي أنفذ عليهم من حكمها؛ وهذا قاله - عليه الصلاة والسلام - لما نزلت الآية؛ ومن محاسن أخلاقه السنية أنه لم يذكر ما له في ذلك من الحظوظ؛ بل اقتصر على ما هو عليه؛ حيث قال: (فمن توفي) ؛ بالبناء للمجهول؛ أي: مات؛ (من المؤمنين) ؛ إلى آخر ما يأتي؛ ومن هذا التقرير استبان اندفاع اعتراض القرطبي بأن الأولوية قد تولى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تفسيرها بقوله: "فمن توفي..."؛ إلخ؛ ولا عطر بعد عروس؛ ووجه الاندفاع أنه تفريع على الأولوية العامة؛ لا تخصيص؛ فلا ينافي ما سبق؛ بل أفاد فائدة حسنة؛ وهي أن مقتضى الأولوية مرعي في جانب الرسول أيضا؛ (فترك) ؛ عليه؛ (دينا) ؛ بفتح الدال؛ (فعلي) ؛ قال ابن بطال : هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين ؛ (قضاؤه) ؛ من بيت المال؛ قيل: وجوبا؛ لأن فيه حق الغارمين؛ وقيل: وعدا؛ والأشهر عند الشافعية وجوبه مما يفيء الله عليه من غنيمة وصدقة؛ ولا يلزم الإمام فعله بعده في أحد الوجهين؛ وإلا أثم إن كان حق الميت من بيت المال؛ بقدر الدين؛ وإلا فيسقطه؛ (ومن ترك مالا) ؛ يعني: حقا؛ فذكر المال غالبي؛ إذ الحقوق تورث كالمال؛ (فهو لورثته) ؛ لفظ رواية البخاري : "فليرثه عصبته؛ من كانوا"؛ وعبر بـ "من"؛ الموصولة ليعمم أنواع العصبة؛ وفي الأولوية فيما ذكر وجه حسن؛ حيث رد على الورثة المنافع؛ وتحمل المضار؛ والتبعات؛ وخص هذا القسم بالبيان؛ دفعا لتوهم الانحصار في جانب الأمة؛ وفيه أنه لا ميراث بالتبني؛ ولا بالحيف؛ وأن الشرع أبطلهما؛ قال النووي: وحاصل معنى الحديث: أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم؛ أو موته؛ أنا وليه في الحالين ؛ فإن كان عليه دين؛ قضيته؛ إن لم يخلف وفاء؛ وإن كان له مال فلورثته؛ لا آخذ منه شيئا؛ وإن خلف عيالا محتاجين؛ فعلي مؤنتهم.

(حم ق ن هـ؛ عن أبي هريرة ) .




الخدمات العلمية