الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2848 - "ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ؛ ما حدث به نبي قبلي قومه ؟ إنه أعور؛ يجيء معه تمثال الجنة؛ والنار؛ فالتي يقول: إنها الجنة؛ هي النار؛ وإني أنذركم به؛ كما أنذر به نوح قومه"؛ (ق)؛ عن أبي هريرة ؛ (صح) .

التالي السابق


(ألا) ؛ بتخفيف اللام؛ وفتح الهمزة؛ حرف افتتاح؛ معناه التنبيه؛ فيدل على تحقق ما بعده؛ وتوكيده؛ ( أحدثكم حديثا عن الدجال ) ؛ أي: عن صفاته ؛ من "الدجل"؛ وهو الخلط؛ لكثرة خلطه الباطل بالحق؛ ذكره الزمخشري ؛ وسبق فيه مزيد؛ (ما حدث به نبي قومه) ؛ الجملة صفة لـ "حديثا"؛ و"ما"؛ نافية؛ أي: لم يحدث نبي قومه بمثله في الإيضاح ومزيد البيان؛ فإنه ما من نبي إلا وقد أنذر قومه به؛ سيما نوح - عليه السلام -؛ لكن لم يوضحوا صفاته؛ وأنا أوضحها غاية الإيضاح؛ حتى كأنكم ترونه عيانا؛ (إنه أعور) ؛ العين اليمنى؛ كما في رواية؛ وفي أخرى: "اليسرى"؛ وجمع بأن إحداهما ذاهبة؛ والأخرى معيبة؛ وأصل "العور": العيب؛ فيصدق عليهما؛ واقتصر عليه؛ مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة؛ لكن العور أثر محسوس يدركه حتى الجاهل؛ ومن لا يهتدي للأدلة القطعية؛ (وإنه يجيء معه تمثال الجنة؛ والنار) ؛ هذا بالنسبة للرائي؛ فإما بالسحر؛ فيخيل الدجال الشيء بصورة عكسه؛ أو يجعل الله باطن الجنة نارا؛ وعكسه؛ أو كنى عن النعمة والرحمة بالجنة؛ وعن المحنة والنقمة بالنار؛ (فالتي يقول: إنها الجنة؛ هي النار) ؛ أي: سبب للعذاب بالنار؛ يعني: من دخل جنته؛ استحق النار؛ لأنه صدقه؛ فأطلق اسم المسبب على السبب؛ (وإني أنذركم) ؛ به؛ (كما أنذر) ؛ به؛ ( نوح قومه) ؛ خصه به لأنه أول نبي أنذر قومه؛ أي: خوفهم؛ ولأنه أول الرسل؛ وأبو البشر الثاني؛ وليس إنذاره خوفا من فتنته على العارفين بالله (تعالى)؛ إذ لا يتخالجهم في الله الظنون؛ إذ ليس كمثله شيء ؛ وإنما أعلم أن خروجه يكون في شدة من الزمان ؛ وأن يستولي على مواشيهم؛ فتتبعه أقوام بأبدانهم؛ ويصدقونه بألسنتهم؛ وإن عرفوا كذبه؛ لا يقال: إذا كان خروجه إنما هو في هذه الأمة؛ فلم أنذر الأنبياء السابقون به أممهم؛ لأنا نقول بأن الأنبياء شاهدوا دقائق الكون؛ واجتمع كله فيهم في آن واحد؛ حتى صار كأنه كله جوهرة واحدة؛ فصاروا عند غلبة التجليات على قلوبهم تندرج جميع الزمان لهم؛ ويلوح لهم الأمر من وراء كل وراء؛ وتضمحل الحجب؛ وذلك طور الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أبدا؛ وقت التجلي؛ فباندراج مسافات الأزمان؛ وتداخلها؛ وامتزاج بعضها ببعض؛ صار عندهم الأزمان كلها كأنه زمن واحد؛ فتدبر.

(ق؛ عن أبي هريرة ) ؛ وفي الباب غيره أيضا.




الخدمات العلمية