الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3152 - "بعثت بين يدي الساعة بالسيف؛ حتى يعبد الله (تعالى) وحده ؛ لا شريك له؛ وجعل رزقي تحت ظل رمحي؛ وجعل الذل والصغار على من خالف أمري؛ ومن تشبه بقوم؛ فهو منهم"؛ (حم ع طب)؛ عن ابن عمر .

التالي السابق


( بعثت بين يدي الساعة ) ؛ مستعار مما بين يدي جهة الإنسان؛ تلويحا بقربها؛ والساعة هنا: القيامة؛ وأصلها: قطعة من [ ص: 204 ] الزمان؛ (بالسيف) ؛ خص نفسه به؛ وإن كان غيره من الأنبياء بعث بقتال أعدائه أيضا؛ لأنه لا يبلغ مبلغه فيه؛ أقول: ويحتمل أنه إنما خص نفسه به لأنه موصوف بذلك في الكتب؛ فأراد أن يقرع أهل الكتابين؛ ويذكرهم بما عندهم؛ أخرج أبو نعيم عن كعب : خرج قوم عمارا ؛ وفيهم عبد المطلب ؛ ورجل من يهود؛ فنظر إلى عبد المطلب ؛ فقال: إنا نجد في كتبنا التي لم تبدل أنه يخرج من ضئضئي هذا من يقتلنا وقومه قتل عاد ؛ (حتى يعبد الله (تعالى) وحده؛ لا شريك له ) ؛ أي: ويشهد أني رسوله؛ وإنما سكت عنه لأنهم كانوا عبدة أوثان؛ فقصر الكلام على الأهم في المقام؛ ( وجعل رزقي تحت ظل رمحي ) ؛ قال الديلمي : يعني الغنائم؛ وكان سهم منها له خاصة؛ يعني: إن الرمح سبب تحصيل رزقي؛ قال العامري : يعني أن معظم رزقه كان من ذلك؛ وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح؛ كالهدية؛ والهبة؛ وغيرهما؛ وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص؛ والعام؛ فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب؛ وتعاطي الأسباب؛ وبعضه من غيرها؛ قدوة للخواص من المتوكلين؛ وإنما قال: "تحت ظل رمحي"؛ ولم يقل: "في سنان رمحي"؛ ولا في غيره من السلاح؛ لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح؛ ولا يكون في إقامة الرماح بالرايات إلا مع النصر؛ وقد نصر بالرعب؛ فهم من خوف الرمح أتوا تحت ظله؛ ولأنه جعل السنان للجهاد؛ وهو أكبر الطاعات؛ فجعل له الرزق في ظله؛ أي: ضمنه؛ وإن كان لم يقصده؛ كذا ذكره ابن أبي جمرة ؛ ولا يخفى تكلفه؛ (وجعل الذل) ؛ أي: الهوان والخسران؛ (والصغار) ؛ بالفتح؛ أي: الضيم؛ (على من خالف أمري) ؛ فإن الله (تعالى) خلق خلقه قسمين؛ علية؛ وسفلة؛ وجعل عليين مستقرا لعليه؛ وأسفل سافلين مستقرا لسفله؛ وجعل أهل طاعته وطاعة رسوله الأعلين؛ في الدارين ؛ وأهل معصيته الأسفلين؛ فيهما؛ والذلة والصغار لهؤلاء؛ وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره؛ فالعز لأهل طاعته؛ ومتابعيه؛ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ؛ وعلى قدر متابعته تكون العزة والكفاية والفلاح؛ ( ومن تشبه بقوم فهو منهم ) ؛ أي: حكمه حكمهم؛ وذلك لأن كل معصية من المعاصي ميراث أمة من الأمم التي أهلكها الله؛ فاللوطية ميراث عن قوم لوط ؛ وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص؛ ميراث قوم شعيب ؛ والعلو في الأرض ميراث قوم فرعون ؛ والتكبر والتجبر ميراث قوم هود ؛ فكل من لابس من هؤلاء شيئا؛ فهو منهم؛ وهكذا.

(حم ع طب) ؛ وابن أبي شيبة ؛ وعبد بن حميد ؛ والبيهقي ؛ في الشعب؛ (عن ابن عمر ) ؛ ابن الخطاب ؛ قال الهيثمي : فيه عبد الرحمن بن ثابت ؛ عن ثوبان ؛ وثقه ابن المديني ؛ وأبو حاتم ؛ وضعفه أحمد وغيره؛ وبقية رجاله ثقات؛ وذكره البخاري في الصحيح؛ في الجهاد؛ تعليقا؛ وفي الباب أبو هريرة ؛ وغيره.




الخدمات العلمية