الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
364 - " إذا أحسن الرجل الصلاة؛ فأتم ركوعها وسجودها؛ قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني؛ فترفع؛ وإذا أساء الصلاة؛ فلم يتم ركوعها وسجودها؛ قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني؛ فتلف كما يلف الثوب الخلق؛ فيضرب بها وجهه " ؛ الطيالسي ؛ عن عبادة بن الصامت ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا أحسن الرجل) ؛ يعني الإنسان؛ (الصلاة؛ فأتم ركوعها وسجودها) ؛ بأن يأتي بها بأركانها وشروطها؛ وهذا تفسير لقوله: " أحسن" ؛ واقتصر عليهما؛ مع أن المراد إتمام جميع أركانها؛ لأن العرب كانت تأنف من الانحناء؛ كراهة لهيئة عمل قوم لوط؛ فأرشدهم إلى أنه ليس من هذا القبيل؛ (قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني) ؛ أي: حفظا مثل حفظك لي بإتمام أركاني؛ وكمال إحساني؛ بالتأدية بخشوع القلب والجوارح؛ وهذا من باب " الجزاء من جنس العمل" ؛ فكما حفظ حدود الله (تعالى) فيها؛ قابلته بالدعاء بالحفظ؛ وإسناد القول إلى الصلاة مجاز؛ ولا مانع من كونه حقيقة؛ لما مر أن للمعاني صورا عند الله؛ لكن الأول أقرب؛ (فترفع) ؛ إلى عليين؛ كما في خبر أحمد في رفع صحف الأعمال؛ وهو كناية عن القبول والرضا؛ (وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها؛ قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني) ؛ أي: ترك كلاءتك؛ وحفظك؛ حتى تهلك جزاء لك على عدم وفائك بتعديل أركاني؛ قال ابن جني : " الضيعة" : الموضع الذي يضيع فيه الإنسان؛ ومنه: " ضاع؛ يضيع؛ ضياعا" ؛ إذا هلك؛ قال القرطبي : فمن لم يحافظ على ركوعها وسجودها؛ لم يحافظ عليها؛ ومن لم يحافظ عليها؛ فقد ضيعها؛ ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع؛ كما أن من حافظ عليها فقد حفظ دينه؛ ولا دين لمن لا صلاة له؛ (فتلف) ؛ عقب فراغه منها؛ كما يؤذن به فاء التعقيب؛ ويحتمل أن ذلك في القيامة؛ (كما يلف الثوب الخلق) ؛ بفتح المعجمة؛ واللام؛ أي: البالي؛ (فيضرب بها وجهه) ؛ أي: ذاته؛ وذلك بأن تجسم؛ كما في نظائره؛ لكن الأوجه أنه كناية عن خيبته وخسرانه؛ وإبعاده؛ وحرمانه؛ فيكون حاله أشد من حال التارك رأسا؛ كيف [لا]؛ والذي يحضر الخدمة؛ ويتهاون بالحضرة أسوأ حالا من المعرض عن الخدمة بالكلية؟! قال الغزالي: فينبغي للإنسان إذا أقبل على الصلاة أن يحضر قلبه؛ ويفرغه من الوسواس؛ وينظر بين يدي من يقوم؛ ومن يناجي؛ ويستحيي أن يناجيه بقلب غافل؛ وصدر مشحون بوسواس الدنيا وخبائث الشهوات؛ ويعلم أنه مطلع على سريرته؛ ناظر إلى قلبه؛ وإنما يقبل من صلاته بقدر خشوعه وتضرعه وتذلله؛ فإن لم [ ص: 250 ] يحضر قلبه هكذا؛ فهو لقصور معرفته بجلال الله (تعالى)؛ فيقدر أن رجلا صالحا من وجوه الناس ينظر إليه؛ ليعرف كيف صلاته؛ فعند ذلك يحضر قلبه؛ وتسكن جوارحه؛ فإذا قدر اطلاع عبد ذليل لا ينفع ولا يضر؛ يخشع له ولا يخشع لخالقه؛ فما أشد طغيانه وجهله!

(تتمة) : قال في الحكم: " أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته" .

( الطيالسي ) ؛ أبو داود ؛ وكذا الطبراني والبيهقي في الشعب؛ (عن عبادة) ؛ بضم المهملة؛ وخفة الموحدة؛ ( ابن الصامت ) - ضد الناطق - ابن قيس الأنصاري؛ صحابي فاضل؛ رمز المصنف لصحته؛ وليس كما قال؛ ففيه محمد بن مسلم بن أبي وضاح؛ قال في الكاشف: وثقه جمع؛ وتكلم فيه البخاري ؛ وأحوص بن سليم ضعفه النسائي ؛ وقال المديني: لا يكتب حديثه.



الخدمات العلمية