الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
35 - " ائتزروا كما رأيت الملائكة تأتزر عند ربها إلى أنصاف سوقها " ؛ (فر) عن عمرو بن شعيب ؛ عن أبيه؛ عن جده.

التالي السابق


(ائتزروا) ؛ أي: البسوا الإزار؛ كـ " خمار" ؛ يذكر؛ ويؤنث؛ من " الأزر" ؛ وهو الشدة؛ لأن المؤتزر يشد به وسطه؛ وأصله: " ائتزر" ؛ " افتعل" ؛ بهمزتين؛ الأولى للوصل؛ والثانية فاء " افتعل" ؛ قال في الفائق: و" اتزر" ؛ عامي؛ حرفه بعض الرواة؛ وتأزير الحائط أن تصلح أسفله؛ فتجعل له ذلك كالإزار؛ (كما رأيت) ؛ أي: أبصرت وشاهدت (الملائكة) ؛ ليلة الإسراء؛ أو [في] غيرها؛ فـ " رأى" ؛ بصرية؛ ولا يتعين جعلها علمية؛ (تأتزر عند) ؛ مثلث العين؛ (ربها) ؛ أي: عند عرشه؛ قالوا: يا رسول الله؛ كيف رأيتها تأتزر؟ قال: (إلى أنصاف) ؛ جمع " نصف" ؛ (سوقها) ؛ بضم؛ فسكون؛ جمع " ساق" ؛ قال في المصباح: و" الساق" ؛ من الأعضاء؛ أنثى؛ وهو ما بين الركبة؛ والقدم؛ فإن قلت: ما سر اقتصاره على بيان محل انتهاء الإزار؛ من أسفل؛ وعدم تعرضه لمبدئه من أعلى؟ قلت: من المعروف أن معقد الإزار هو الوسط؛ بإزاء السرة؛ والغرض المسوق له الحديث بيان أن إسبال الإزار منهي عنه؛ وأنه ليس من شأن الملإ الأعلى؛ وأن المطلوب المحبوب تقصيره معتدلا؛ بحيث يكون سابغا سبوغا لا إسبال فيه؛ وذلك بأن يكون إلى نصف الساق؛ و" الملائكة" ؛ جمع " ملك" ؛ تخفيف " ملاك" ؛ والتاء لتأنيث الجمع؛ من " الألوكة" ؛ بمعنى: " الرسالة" ؛ وقول الراغب: " الملائكة" ؛ يقع على الواحد؛ والجمع؛ فيه تأمل؛ غلبت على الجواهر العلوية النورانية المبرأة عن الكدورات البشرية الجسمانية التي هي وسائط بين الله (تعالى)؛ والبشر؛ فإن قلت: إذا كانت الملائكة نورانية فكيف وصفها بأن لها سوقا؟ قلت: لا مانع من تشكل النور كالإنسان في بعض [ ص: 70 ] الأحيان؛ فهذا الشكل المخصوص مثال تمثل به الملك له؛ وإن كانت له صورة حقيقية مشتملة على أجنحة؛ وغيرها؛ والملائكة والجن ترى بصور مختلفة؛ كما بينه الغزالي؛ قال: والملائكة تنكشف لأرباب القلوب؛ تارة بطريق التمثل والمحاكاة؛ وتارة بطريق الحقيقة؛ والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى؛ هو مثال المعنى؛ لا عين المعنى؛ إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة؛ وينفرد بمشاهدته المكاشف؛ دون من حوله؛ كالنائم؛ ولا تدرك حقيقة صورة الملك بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة؛ انتهى؛ وبه يعلم أن تمثلهم له بهيئة الائتزار إرشاد له إلى الدوام عليه؛ وأمر أمته به؛ وإلا فالملك لا عورة له يطلب سترها بالإزار؛ قال التفتازاني: والملائكة لا ذكور؛ ولا إناث؛ وقال بعض شراح الشفاء: إطلاق الأنوثة عليهم كفر؛ بخلاف الذكورة؛ وفي تذكرة ابن عبد الهادي: عن يحيى بن أبي كثير أنهم صمد؛ لا أجواف لهم؛ ومقصود الحديث النهي عن إرسال الإزار.

(فر)؛ من حديث عمران القطان ؛ عن المثنى بن الصباح؛ (عن عمرو بن شعيب ) ؛ ابن محمد بن عبد الله بن عمرو السهمي؛ قال يحيى القطان: إذا روى عن عمرو ثقة فهو حجة؛ وقال أحمد : ربما احتججنا به؛ مات سنة ثماني عشرة ومائة؛ بالطائف؛ (عن أبيه) ؛ شعيب؛ قال الذهبي : سماعه عن أبيه متيقن؛ (عن جده) ؛ عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أحد العبادلة الأربعة؛ أسلم قبل أبيه؛ وكان من علماء الصحابة العباد؛ مات بالطائف؛ أو بمصر؛ سنة خمس وستين؛ ثم إن عمران القطان أورده الذهبي في الضعفاء؛ وقال: ضعفه يحيى؛ والنسائي ؛ والمثنى ضعفه ابن معين؛ وقال النسائي : متروك؛ وقال الزين العراقي؛ في شرح الترمذي : فيه المثنى بن الصباح؛ ضعيف عند الجمهور؛ وقال ابن حجر؛ في زهر الفردوس: المثنى ضعيف؛ وكرره؛ والحديث رواه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور؛ عن صحابيه المزبور؛ قال الهيتمي: عقبه؛ وفيه المثنى بن الصباح؛ ويحيى بن يشكر؛ ضعيفان؛ وعنه؛ ومن طريقه؛ خرجه الديلمي ؛ فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى.



الخدمات العلمية