الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
40 - " أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " ؛ (هـ) وابن أبي عاصم ؛ في السنة؛ عن ابن عباس ؛ (ح).

التالي السابق


(أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة) ؛ بكسر الموحدة التحتية؛ وسكون الدال؛ أي: مذمومة؛ قبيحة؛ وهي الأهواء والضلالة؛ كما يأتي؛ بمعنى أنه لا يثيبه على ما عمله ما دام متلبسا بها؛ (حتى) ؛ أي: إلى أن (يدع) ؛ أي: يترك؛ (بدعته) ؛ بأن يتوب منها؛ ويرجع إلى اعتقاد ما عليه أهل الحق؛ ونفي القبول قد يؤذن بانتفاء الصحة؛ كما في خبر: " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" ؛ ويفسر القبول حينئذ بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء؛ وقد لا؛ كما هنا؛ ونحوه الآبق؛ والناشزة؛ وشارب الخمر؛ ويفسر بأنه الثواب؛ ومنه خبر أحمد الآتي: " من صلى في ثوب قيمته عشرة دراهم؛ فيه درهم حرام؛ لم يقبل الله له صلاة؛ ما دام عليه" ؛ ويميز بين الاستعمالين بالأدلة الخارجية؛ وأما القبول من حيث ذاته؛ فلا يلزم من نفيه نفي الصحة؛ وإن لزم من إثباته إثباتها؛ وكما أن عمل المبتدع غير مقبول؛ فذنبه غير مغفور؛ قال حجة الإسلام: الجاني على الدين بابتداع ما خالف السنة؛ بالنسبة لمن يذنب كمن عصى الملك في قلب دولته؛ بالنسبة لمن خالف أمره في خدمة معينة؛ وذلك قد يغفر؛ فأما قلب الدولة فلا؛ فلا؛ فلا؛ انتهى؛ ولم أر من تعرض للعمل المنفي قبوله في هذا الحديث؛ ما المراد به؛ العمل المشوب بالبدعة فقط؛ أو حتى الموافق للسنة؛ فظاهر الخبر التعميم؛ أما المشوب بها فظاهر؛ لأنه إذا عمل عملا على قانون بدعته عده سنة؛ وهو لا يشعر؛ ولا ثواب فيما خالف السنة؛ وأما غيره فلأنه إذا عمل السنة فهو حال عمله يعتقد كونه بدعة؛ فهو بمعزل عن قصد التقرب؛ والامتثال؛ وقد قال ابن القاسم : لا نجد مبتدعا إلا وهو منتقص للرسول؛ وإن زعم أنه يعظمه بتلك البدعة؛ فإنه يزعم أنها هي السنة؛ إن كان جاهلا مقلدا؛ وإن كان مستبصرا فيها فهو مشاق لله ولرسوله؛ انتهى؛ وقد ذم الله قوما رأوا الخير شرا؛ وعكسه؛ ولم يعذرهم؛ فقال: وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ؛ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ؛ ثم هذه الجملة توطئة وتأسيس إلى ما هو المقصود من السياق؛ وهو الحث على سلامة العقيدة؛ والتنفير من ملازمة البدعة؛ ومجالسة أهلها؛ و" البدعة" ؛ كما قال في القاموس: الحدث في الدين بعد الإكمال؛ وما استحدث بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأهواء؛ وقال غيره: اسم من " ابتدع الشيء" ؛ اخترعه؛ وأحدثه؛ ثم غلبت على ما لم يشهد الشرع لحسنه؛ وعلى ما خالف أصول أهل السنة والجماعة في العقائد؛ وذلك هو المراد بالحديث؛ لإيراده في حيز التحذير منها؛ والذم لها؛ والتوبيخ عليها؛ وأما ما يحمده العقل ولا تأباه أصول الشريعة؛ فحسن؛ والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته؛ أما من كفر بها؛ كمنكر العلم بالجزئيات؛ وزاعم التجسيم؛ أو الجهة؛ أو الكون؛ أو الاتصال بالعالم؛ أو الانفصال عنه؛ فلا يوصف عمله بقبول؛ ولا رد؛ لأنه أحقر من ذلك.

(هـ؛ وابن أبي عاصم ؛ في) ؛ كتاب محاسن (السنة) ؛ وكذا الديلمي والخطيب ؛ والسجزي في الإبانة؛ وابن النجار ؛ (عن ابن عباس ) ؛ وهو عند ابن ماجه ؛ من حديث عبد الله بن سعيد ؛ عن بشر بن منصور الحافظ؛ عن أبي زيد؛ عن أبي المغيرة ؛ عن ابن [ ص: 73 ] عباس؛ قال في الميزان: وأبو زيد؛ وأبو المغيرة ؛ لا يدري من هما؛ نعم؛ يقويه ما رواه ابن ماجه أيضا عن حذيفة ؛ مرفوعا: " لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة؛ ولا صدقة؛ ولا حجا؛ ولا عمرة؛ ولا جهادا؛ ولا صرفا؛ ولا عدلا؛ يخرج من الدين كما تخرج الشعرة من العجين" .



الخدمات العلمية