الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4934 - (الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات) (الحكيم) عن أبي بكر

التالي السابق


(الشرك فيكم) أيتها الأمة (أخفى من دبيب النمل) قال الغزالي : ولذلك عجز عن الوقوف على غوائله سماسرة العلماء فضلا عن عامة العباد وهو من أواخر غوائل النفس وبواطن مكايدها وإنما يبتلى به العلماء والعباد المشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة؛ فإنهم مهما نهروا أنفسهم وجاهدوها وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات وحملوها بالقهر على أصناف العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح فطلبت الاستراحة إلى الظاهر بالخير وإظهار العمل والعلم فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ونظرهم إليه بعين الوقار والتعظيم، فنازعت إلى إظهار الطاعة وتوصلت إلى اطلاع الخلق ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمد الله وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه للشهوات وتوقيه للشبهات وتحمله مشقات العبادات أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء وبالغوا في الإعزاز ونظروا إليه بعين الاحترام، وتبركوا بلقائه، ورغبوا في بركته ودعائه، وفاتحوه بالسلام والخدمة، وقدموه في المجالس والمحافل، وتصاغروا له فأصابت النفس في ذلك لذة هي من أعظم اللذات، وشهوة هي أغلب الشهوات فاستحقرت فيه ترك المعاصي والهفوات واستلانت خشونة المواظبة على العبادات لإدراكها في الباطن لذة اللذات وشهوة الشهوات، فهو يظن أن حياته بالله وبعبادته المرضية، وإنما حياته لهذه الشهوة الخفية التي يعمى عن دركها إلا العقول النافذة القوية، ويرى أنه يخلص في طاعة رب العالمين، وقد أثبت اسمه في جريدة المنافقين (وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك وكباره) قال الحكيم: صغار الشرك كقوله: ما شاء الله وشئت، وكباره كالرياء (تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات) يحتمل كل يوم، ويحتمل كلما سبق إلى النفس الوقوف مع الأسباب؛ وذلك لأنه لا يدفع عنك إلا من ولي خلقك فإذا تعوذت به أعاذك؛ لأنه لا يخيب من التجأ إليه، وقصر نظر قلبه عليه، وإنما أرشد إلى هذا التعوذ لئلا يتساهل الإنسان في الركون إلى الأسباب ويرتبك فيها حتى لا يرى التكوين والتدويم إلا رؤية الإيمان بالغيب فلا يزال يضيع الأمر ويهمله حتى تحل العقدة منه عقله[عقدة] الإيمان، فيكفر وهو لا يشعر فأرشده إلى الاستعاذة بربه ليشرق نور اليقين على قلبه

(الحكيم) الترمذي (عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير، وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول؛ فقد خرجه الإمام أحمد في المسند، وكذا أبو يعلى عن أبي نفيسة، ورواه أحمد والطبراني عن أبي موسى وأبي نعيم في الحلية عن أبي بكر [ ص: 174 ]



الخدمات العلمية