الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              584 [ ص: 328 ] 5 - باب: رفع الصوت بالنداء

                                                                                                                                                                                                                              وقال عمر بن عبد العزيز: أذن أذانا سمحا، وإلا فاعتزلنا.

                                                                                                                                                                                                                              609 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري، ثم المازني عن أبيه أنه أخبره، أن أبا سعيد الخدري قال له: " إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة".

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم
                                                                                                                                                                                                                              -. [3296، 7548 - فتح: 2 \ 87]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه أنه أخبره، أن أبا سعيد الخدري قال له: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة".

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.


                                                                                                                                                                                                                              أما قول عمر بن عبد العزيز فأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن سعيد بن أبي حسن أن مؤذنا أذن فطرب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز ذلك. ولعله خاف عليه الخروج عن الخشوع إذا طرب.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: لعل هذا المؤذن لم يكن يحسن يمد الصوت إذا رفع [ ص: 329 ] بالأذان، فعلمه، ليس أنه نهاه عن رفع الصوت، ولو نهاه لكان لم يبلغه الحديث يعني: حديث أبي سعيد هذا.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الدارقطني - بإسناد فيه لين - من حديث ابن عباس أنه - عليه السلام - كان له مؤذن مطرب فقال له - عليه السلام -: "الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن".

                                                                                                                                                                                                                              وأما الحديث فالكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في ذكر الجن والتوحيد، وذكر خلف وتبعه الطرقي أن البخاري أخرجه، عن أبي نعيم، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، قال ابن عساكر: لم أجده ولا ذكره أبو مسعود.

                                                                                                                                                                                                                              وفي ابن ماجه: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه وزيادة: "ولا شجر ولا حجر".

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عساكر: كذا فيه، يعني: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي [ ص: 330 ] صعصعة، عن أبيه، وكذا رواه الشافعي عن ابن عيينة. وقال عقبها: يشبه أن يكون مالك أصاب اسم الرجل.

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي: وهو كما قال هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، سمع أباه وعطاء بن يسار، وعنه: مالك وابنه عبد الله.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: البادية: الصحراء التي لا عمارة فيها، والمدى: الغاية.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في قوله: "ولا شيء إلا شهد له"، فقالت طائفة: الحديث على عمومه في كل شيء وجعلوا الحيوان والجمادات وغيرها سامعة وداخلة في معنى الحديث، وذلك جائز، كما تنطق الجلود يومئذ وتشهد على العصاة، ويؤيده قوله تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده [الإسراء: 44]، أي: يخلق الله فيها إدراكا، والله قادر أن يسمع الجمادات. وقالت طائفة: لا يراد إلا الجن والإنس خاصة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "ولا شيء". يريد من صنف الحيوان السامع كالملائكة والحشرات والدواب ويرده رواية ابن ماجه: "ولا شجر ولا حجر".

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: في فوائده:

                                                                                                                                                                                                                              الأولى: أن الشغل بالبادية واتخاذ الغنم من فعل السلف الصالح الذي ينبغي لنا الاقتداء بهم، وإن كان في ذلك ترك الجماعات.

                                                                                                                                                                                                                              الثانية: العزلة من الناس، والبعد عن فتن الدنيا وزخرفها.

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة: فضل الإعلان بالسنن وإظهار أمور الدين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 331 ] الرابعة: رفع الصوت بالنداء ما لم يجهد نفسه، وينادي به ليسمعه من بعد عنه، فيكثر الشهداء له.

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة: أذان المنفرد، وللشافعي في أذانه ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                                                              أصحها: نعم، لحديث أبي سعيد هذا.

                                                                                                                                                                                                                              وثانيها: وحكي في القديم أنه لا يندب له؛ لأن المقصود من الأذان الإبلاغ والإعلام، وهذا لا ينتظم في المنفرد.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: إن رجي حضور جماعة أذن لإعلامهم وإلا فلا، وحمل حديث أبي سعيد على أنه كان يرجو حضور غلمانه.

                                                                                                                                                                                                                              السادسة: أن الجن يسمعون أصوات بني آدم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية